توطئة
"ابراهام لينكولن" وهي عنوان مجموعة قصيرة من ملاحظات ويتمان تسجل ذكرياته عن الرئيس لينكولن قبل اغتياله. و تقدم لنا هذه لقاءات لمختلف المواطنين بالرئيس في منتصف القرن التاسع عشر حيث يصف لنا ويتمان رؤيته للرئيس و هو يمر في شوارع العاصمة. كان هناك دائما فرقة عسكرية ترافقه و مع تبادل لنكولن و ويتمان بعض النظرات الخاطفة و ايماءات سريعة. الذي ترك اثره على ويتمان هو البساطة التي ظهر بها الرئيس—كما لو كان رجلا اعتياديا. ومع ذلك بقي في ذاكرته وجه الرئيس الاسمر و تقاطيع وجهه العميقة و العينين و تعبير الحزن—وهو الوجه الذي يتحدى جميع المصورين و الرسامين لرسمه. ففي الوجه تعبير عميق و شيء غامض لا احد يستطيع تمثيل. حاول تسمية هذا الشيء الغامض في مقطع "ليس هناك صورة جيدة لنكولن" لكن مع ذلك لا يستطيع تسميته. ربما من خلال تأكيده على اللون الاسمر المميز للوجه يشير الى الهيمنة العرقية للامة التي رأها ويتمان و علق عليها خلال السنة الاخيرة من الحرب حيث سارع الاف العبيد المتحررين الى العاصمة و حولها الى مدينة ثنائية العرق. كمل لو ان تاريخ امريكا العرقي بدأ يترك اثاره على وجه لنكولن. الشاعر و كاتب السير دانييل مارك ابيستين يصف ما يسميه "قضية لون بشرة الرئيس" عندما يمر موكب جنازة الرئيس خلال البنسلفانيا حيث تحول وجهه فجأة الى الاسود حيث الجنائزيون قاموا بوضع صبغة بيضاء على الوجه حتى لا يظهر سواده امام المعزين الذين جاؤوا الى نيويورك. شعر ويتمان ان وجه لنكولن يجسد بشكل غريب ما يحصل في الامة من تحول.
لم يكن ويتمان من البدء من مؤيدي لنكولن و يذكر الشاعر اعلان انهاء العبودية في 1863 سريعا في تعليق عن كيف ان خبر التحرير هيمن على الصحف لكنه لم يحدث جلبة في واشنطن حيث ذكره القليل في الاماكن العامة في العاصمة. لكن مع تكرار رؤيته للرئيس و رأى كيف ان صدمة الحرب التي عاشتها الامة بدأت تشق طريقها على وجه الرئيس و جسده اخذذذ يزيد اعجابه به و بدأ يراه حاميا ومحافظا على وحدة البلاد. يشير ويتمان الى ان الرئيس له عيوبه التي اظهرها في عمله الرئاسي الا انه ايضا يشير الى العديد من الفضائل التي تمتع بها لنكولن و اهمها الوحدوية. بمعنى ان ويتمان رأى ما لم يستطيع اي فنان رسمه او مصور من تصويره: تلك الطبقة الصلبة التي تختفي اسفل تربة هشة على السطح والتي تمنع المطر من اغراق الارض. هذه الخاصية "الوحدوية "، اخلاص الرئيس لابقاء الولايات متحدة و استيعاب تناقضات الامة و عدم الاستسلام للتشظي و الانقسام—تلك كانت الخاصية التي تختفي خلف وجه لينكولن الاسمر وهي الخاصية التي جعلته حسب رأي ويتمان اعظم شخصية في التاريخ.
تعليق ويتمان على هذه الخاصية في شخصية لينكولن جاء في وصفه لجرمية قتله وهي اول محاولة للشاعر لوصف حادثة الاغتيال و تقييم اهميتها لمستقبل الامة. هذه الملاحظات تطورت لتصبح اساسا لمحاضرة ويتمان الشهيرة "محاضرة لنكولن" و التي القاها الشاعر عدة مرات ما بين 1879 و خلال العقد الذي تلى في مسرح ماديسون سكوير في نيويرك في 14 ابريل 1887 حيث حضرها مشاهير الادب الامريكي مثل مارك توين و جيمس راسل لول و ماري مابس دوج (ويليام دين هاولز كان يجمع التذاكر). ويتمان الذي مان عندها طاعنا في السن وصف للجمهور حادثة الاغتيال مؤكدا على ان المكان كان ملائما للاغتيال حيث الممثل هو القاتل و الدراما الحقيقية لا تحصل على المسرح وانما في احد الشرفات في مسرح فورد حيث الامة ككل هي المسرح الحقيقي لعرض دراما صاخبة يكون فيها الممثل الرئيسي هو لينكولن الذي قاد البلاد بأمان الى ان وصل الى المشهد الاخير حيث يموت فيها البطل بعد نهاية الحرب. كان ويتمان في نيويورك عندما حصل الاغتيال لكنه كتب التفاصيل كمن خلال القصة التي رواها له رفيقه الشاب بيتر دويل وهو جندي كونفيدرالي سابق كان في مسرح فورد تلك الليلة.
في سبرينغفيلد ايلنوي في نفس اليوم الذي قدم فيه ويتمان محاضرته بعد 22 عام من مقتل لنكولن بأيدي جون ويلكيس بوث ، تجمع حراس لنكولن و بعض الاصدقاء ليشهدوا فتح تابوت الرئيس . وقالوا ان الجثة كانت بأفضل حال الا ان الصبغة البيضاء تحولت الى تراب ليبقى وجه الرئيس اسود.
—EF
ابراهام لينكولن
12 اغسطس—كل يوم تقريبا ارى الرئيس حيث صدف لي ان اعيش حيث يمر من و الى مسكنه خارج المدينة. فهو لا ينام في البيت الابيض خلال موسم الحر لكنه يملك مسكنا في مكان صحي، على بعد ثلاثة اميال شمال المدينة في بيت الجنود وهو مؤسسة عسكرية للولايات المتحدة. رأيته هذا الصباح حوالي الساعة الثامنة و النصف وهو قادم للمدينة لممارسة اعماله حيث يمر موكبه خلال فيرمونت فنيو قرب شارع ال. هذا المشهد مهم بالنسبة لي (ومختلف عن الذي رأيته فيه اول مرة ). دائما يرافقه خمسة وعشرين او ثلاثين فارس تتدلى سيوفهم الى الجانب او تحمل اعلى اكتافهم. الفرقة لا تستعرض ازيائها او خيولها. يعتلي السيد لنكولن حصانا رماديا متوسط الحجم، وهو يرتدي بدلته السوداء المتربة؛ و يرتدي قبعة سوداء و يبدو كأي رجل عادي. نقيب بشرائط صفراء يمتطي حصانه الى جانب السيد لينكولن و يتبعه فرقة الفرسان ببدلاتهم و شرائطهم الصفراء. يسيرون خلفه ببطيء حسب سرعة من يرعونه. كل الفرقة غير مبهرجة لا تثير اي جلبة و هي تمضي قدما نحو لافيات سكوير سوى بعض نظرات الغرباء على المنطقة. استطيع ان ارى بوضوح وجه ابراهام لينكولن الاسمر و تقاطيعه البارزة و عينيه التي لطالما تخبرني بوجود حزن كبير. اصبحنا متألفين لدرجة انه كلما رأني اومأ رأسه ليحييني.
في بعض الاحيان يستخدم الرئيس عربة مفتوحة. يتبعه الفرسان بسيوف مشرعة. غالبا ما الاحظ وهو يأتي في المساء—وفي بعض الاحيان في الصباح عندما يعود مبكرا—يتوجه و يتوقف عند مقر سكن وزير الحرب في شارع كاي و يعقد اجتماعا هناك. اذا كان يبقى في عربته استطيع ان ارى من شباكي بأنه لا ينزل من العربة لكن يجلس فيها و السيد ستانتون يأتي و يجلس معه. في بعض الاحيان يرافقه احد ابناءه، بعمر عشرة او اثنى عشر عام، و يمتطي مهرا صغيرا الى جانب والده الايمن.
في بداية الصيف ارى الرئيس و زوجته معه في بعض الاحيان في اخر ساعات العصر يركبان العربة في نزهة حول المدينة. السيدة لينكولن ترتدي الاسود و وشاحا طويلا يغطيها. العربة من ابسط ما يكون بحصانين فقط و لا شيء اخر معهم. في مرة مروا من قربي و استطعت رؤية وجه الرئيس بالكامل حيث كانوا يتحركون ببطيء وكانت نظرة الرئيس موجهة بالكامل باتجاهي. اومأ رأسه و ابتسم لكن خلف الابتسامة رأيت ذلك التعبير الحزين. ما من فنان او مصور استطاع التقاط ذذلك التعبير في وجه الرجل. ففيه شيء مميز يحتاج الى رسامين القرون الماضية ليرسمه.
"موت الرئيس لنكولن"
حادثة قتل الرئيس لينكولن—اليوم هو 14 ابريل 1865 كان يبدو يوما جميلا في كل البلاد—المعنويات العامة جميلة ايضا—العاصفة الطويلة و المظلمة التي امتلأت بالدماء و الحزن انتهت اخيرا بإشراقة شمس الانتصار الوطني و الانهيار الكامل للحركات الانفصالية—لقد كنا نشك بانفسنا حتى ! استسلم لي تحت شجرة التفاح في ابوماتكس. و بعدها تبعته الجيوش الاخرى ... هل كان الامر حقيقة. من بين الاحداث المريعة في العالم، الاحداث التي سجلت فشل و اضطراب و مأساة الانسان، هل يمكن ان ينتج بريق الامل—عن حقيقة حكم الرب؟ وهكذا كان اليوم جميلا. ازهرت فيه الورود مبكرا. (اتذكر اين كنت واقفا عندها حيث كان الربيع قد اينع في ازهار الزنبق التي اصبحت دون ان تدري عاملا في الحدث الذي حصل يومها فمنظرها و رائحته تظل تذكرني بالمأساة التي حصلت يومها).
لكن يجب ان لا اظل عند الامور الجانبية. فالاحداث تسارعت. صحيفة واشنطن في المساء الشعبية جدا باسم ايفينغ ستار اخذت تحتفي في صفحتها الثالثة بإعلان وجود الرئيس و زوجته في المسرح هذا المساء (لينكولن كان يحب المسرح. رأيته بنفسي عدة مرات. لطاما فكر كيف ان الممثل الرئيسي في اكبر دراما انسانية في مسرح التاريخ يجلس هناك و مهتم جدا بهؤلاء الممثلين الصغار مستجيبا لتحركاتهم و كلماتهم).
في تلك المناسبة كان المسرح مزدحما خاصة بالنساء وملابسهن الجميلة و ضابطا يرتدون بزاتهم العسكرية و العديد من المواطنين المعروفين و الشباب ايضا و تجمع مصابيح الغاز و الجميع كان مبتهجا مع صوت الكمان و الناي—(واكثر ما كان يبهج هو فرحة انتصار الامة التي كانت تملأ المكان اكثر من العطور الفاخرة).
في تلك الاثناء جاء الرئيس مع زوجته و شاهد المسرحية من شرفته في الطابق الثاني و العلم الوطني خلفه. فصول و مشاهد العمل الدرامي—ذلك العمل الذي كتب من اجل الترفيه عن الجمهور المرهق من عمله اليومي دون ان يمس باي من القضايا الاخلاقية و العاطفية و الجمالية او الروحية—ذلك العمل (ابن عمنا الامريكي) الذي من بين شخصياته اليانكي وهو شخصيه لم ارى مثلها مسبقا و لا تشبهها حتى في شمال امريكا، قدم في انكلترا بمختلف الحوارات و الاحداث حسب ما تقتضيه الدراما الحديثة—كانت قد تقدمت في بعض الفصول عندما حصل في خضم هذه الكوميديا او التراجيديا او اي كان نوع العمل ومهما كانت نهايته كما لو كان سخرية من الطبيعة، حصل ذلك المشهد الذي لا يمكن وصفه فعلا (حيث مئات الذين كانوا موجودين هناك يرونه حلما عابرا لا يصدقون حصوله)—ومع ذلك يمكن وصفه تقريبا كالاتي....هناك مشهد في المسرحية يمثل يشبه الفناء الحديث وفيه سيدتين انكليزيتان يخبرهما اليانكي بأنه لا يملك اي مال و بالتالي لا ينفع لزواج المصلحة؛ و بعد ان انتهت التعليقات خرج من المسرح الشخصيات الثلاثة تاركينه فارغا للحظة. كان هناك توقف كما لو كان صمتا متعمدا. في تلك الفترة حضر قاتل ابراهام لينكولن. بالرغم من عظمة الحدث بكل ما سوف يسببه من احداث تمتد الى المستقبل لقرون عديدة ربما وتترك اثارها في سياسة و تاريخ البشرية، الا انه في الحقيقة حصل الحدث بغاية البساطة و الهدوء دون تعليق و دون جلبة كما لو انه كان خروج برعم من زهرة يحصل يوميا في غاية الهدوء. في خضم تمتمة الجمهور اثناء توقف العمل المسرحي جاء صوت الطلقة النارية في لحظة صامتة وراينا في صندوق الرئيس رجلا ينهض بصعوبة و يقف للحظة و يقفز الى المسرح (مسافة اربعة عشر او خمسة عشر قدم) و يسقط من موقعه و يسقط على ركبتيه و ينهض من جديد ومن ثم ينهض كما لو انه لم يحصل شيء (التوى كاحليه لكنه لم يشعر بشيء حينها)—وهذا كان القاتل بوث يرتدي ملابس سوداء عادية دون قبعة بشعر اسود و له عينان تلمعان كحيوان مجنون ومع ذلك بهدوء شديد كان يسمك بسكينة—ومضى بعيدا عن الاضواء—وتوجه نحو الجهور بكل هيبة و عيناه تلمعان و ربما ببعض الجنون...(هل تدرب الجميع على هذا المشهد؟)
في لحظة صمت—هناك صرخة—احدهم قال جريمة قتل—السيدة لينكولن تتكأ على الصندوق و شفتاها ترتجفان وتبكي دون وهي تشير الى الرجل الهارب "لقد قتل الرئيس"...ولاتزال لحظة غريبة من الترقب و بعدها حصل الطوفان!—ذلك الخليط من الرعب و الضوضاء و الفوضى—(صوت حوافر حصان تعدو بسرعة البرق )—تدفق الناس من كراسيهم و اضاف الصوت الى غرابة المشهد و اضطراب يعم المكان—النساء اغمي عليهن—و سقط الضعفاء و تعثر الناس بهم—وعلت صرخات الالم –وفجأة اصبح المسرح مختنقا بالكثير من الناس كما لوكان مهرجانا مرعبا—و الجمهور تراكض لمشاهدته—على الاقل الاقوياء منهم—الممثلين و الممثلات جميعهم يرتدون ازياء المسرحية و وجهوهم الملونة و الرعب يعلو وجوههم و بعضهم يبكي—الصرخات و الاحاديث المضطربة—اثنان و ثلاثة تمكنوا من جلب الماء الى صندوق الرئيس—و اخرين حاولوا الذهاب اليه.
في خضم هذا كله، جاء حراس الرئيس مع اخرين دخلوا المكان (ما يقارب مئتين)—ملأوا المكان بالغضب يلوحون نحو الجمهور مسدساتهم و بنادقهم و هم يصرخون افسحوا الطريق—هكذا المشهد داخل المسرح عندها.
في الخارج ايضا في جو من الصدمة و الاضطراب حشود الناس كانوا على وشك قتل الابرياء. احد تلك الحالات كانت فعلا مرعبة. الحشود صبت غضبها على احدهم اما بسبب بعض الكلمات التي قالها و ربما لم يكن هناك سبب على الاطلاق و كانوا على وشك اعدامه شنقا على احد الاعمدة القريبة عندما انقذه رجال الشرطة الذين اخذوه بينهم و شقوا طريقهم ببطيء نحو المركز....كانت نوبة جنون قد اصابت الجميع. الحشود تجيء و تذهب دون هدف—الليل و الصرخات و الوجوه الشاحبة و العديد من الاشخاص الخائفين يحاولون دون جدوى انقاذ انفسهم—الرجل الذي لا يزال قريبا من الموت يبدو على انه جثة و نصف دزين رجال شرطة صامتين لا يملكون اسلحة سوى العصا ومع ذلك عازمين على تخطي هذه الفوضى—كان هذا مشهدا جانبيا يلائم التراجيديا التي حصلت لتوها.....وصلوا الى المركز مع الرجل ووضعوه هناك خلال الليل و اطلقوا صراحه في الصباح.
في وسط هذه الليلة المليئة بالكراهية و الجنود الغاضبين و الجهور المضطرب—المسرح و الممثلين و كل الاضواء—دماء الحياة التي سكبت من تلك الاوردة، و الارض التي تنزف كل هذا رافق مشهد قتل الرئيس لنكولن. في لحظة مفاجأة اخذوه منا. لكن موته لم يكن مؤلما.
[ترك لتاريخ امريكا اكثر المشاهد دراماتيكية—فلقد ترك لنا اكثر شخصية مميزة عرفتها امركيا. ليس فقط لانه اظهر عيوبه حتى في رئاسته لكن بسبب صراحته و طيبته و ذكاءه و ضميره و ايضا حرصه على الوحدة (وهي الفضيلة التي لم يعرفها الاخرون) بأبسط معانيها و التي كانت اساس شخصيته. بهذه الفضيلة ختم حياته. حادثة موته المأساوية سوف تظل خالدة في التاريخ. فوحدة البلاد تدين بهذا له. لقد تم اغتياله—لكن لم يغتالوا الاتحاد—يسقط احدهم و من ثم الاخر. الجندي يسقط و يختفي كالموجة لكن قوة المحيط تستمر. الموت قام بعمله و اخذ الاف –رئيسا و جنرالا و جنديا—لكن الامة باقية لا تموت]
ليس هناك من صورة جيدة لنكولن
ليس هناك صورة جيدة لابراهام لينكولن—ربما رأى القارئ وجوها (لمزارعين كبار و بحارين و غيرهم) الذين بالرغم من بساطتهم و ربما حتى قباحة ملامحهم يظلون يظهرون بهيبة متحدين ريشة الرسام و يبثون الحياة في خطوط تقاطيعهم كما لو كانت الصورة تنطق...و هذا ما كان عليه وجه لنكولن لونه المميز و الخطوط التي تملأه العيون و الفم و التعبير. ليس هناك جمالا فيه بالمعنى العام لكن لعين الفنان الحقيقي هناك ما يستحق الدراسة ... الصور الحالية جميعها فاشلة—معظمها كاريكترية الرسم.
خاتمة
يختتم الشاعر ويليام ماثيوز قصيدته عن اضطرابات الستينات "لماذا نحن نكون امة" بصورة شعرية مفزعة: "لان الحزن يجمعنا/مثل قرون الغزلان المتشابكة/و التي تموت ثنائية ومنحنية". بعد اغتيال جون كينيدي و مارتن لوثر كينغ و روبرت كيندي حاول الشعراء الأمريكيين البحث عن لغة تصف مأسي الامة يمكن لها ان تشكل المستقبل وما اكتشفه ماثيوز هو صورة مأخوذة من الطبيعة تخبر القارئ كيف ان الانقسامات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية يمكن ان يكون اثار انتحارية: ميراث الحرب الاهلية على هذه الامة.
و لهذا السبب كان اشارة ويتمان الى صفة لنكولن الوحدوية تعتبر مهمة في فهم علاقة شعره بالسياسة الامريكية. فالشاعر قد ادرك حقيقة ان التاريخ سوف يسجل حياة الرئيس وموته كجزء مهم من التجربة الامريكية و التي سوف يستمر في الغناء لها و استكشافها حتى يتوقف عن الكتابة. من "اغنية نفسي" الى "عندما ازهرت الزنابق على عتبة الباب" و كتابه عن الديمقراطية ظل ويتمان يربط بين كتاباته بقدر هذه الامة؛ حيث خلال الاعوام التي ادت الى الحرب قام باكتشاف هوية شعرية خاصة به—"والت ويتمان مواطن امريكي كوني الوجود"، وعند اغتيال ويتمان قام يقوم بجمع طاقاته من جديد للحفاظ على الامة، و التي يمكن ان تنشق على نفسها مرة اخرى.
اختتم لنكولن اول خطاب رئاسي له بالتماس قوي للذين يريدون الانفصال عن الاتحاد:
"لسنا باعداء لكننا اصدقاء. فلا يجب ان نكون اعداء. و بالرغم من ان الغضب قد وتر المحبة بيننا الا ان يجب لا يقطع الحبال تماما. تلك الاوتار بين الذكريات و التي تمتد من ارض المعركة و قبور المواطنين و الاحياء على هذه الارض سوف تعزز الاتحاد اكثر و هي تلامس ملائكة طبيعتنا".
لكن في فترة ما بعد الحرب رفض جزء كبير كمن الكونفدرالية السماح لهؤلاء الملائكة بالمجيء. فموت لينكولن اظهر الجروح التي تعانيها الامة ومهددة بإثارتها في نفس اللحظة التي بدأت فيها بالشفاء. لاحظ ويتمان انه ليس هناك من صورة جيدة تجسد وجه الرئيس—ذلك اللون المميز لبشرته و الخطوط التي ترسم ملامحه—بالرغم من انه ادرك انه الرسام الجيد يمكنه ان يصور ذلك الوجه بكل تعابيره المميزة. وكان ويتمان هو الفنان الذي يتحدث عنه. وهذه الملاحظات كانت الخطوط الاولى لرسمه صورة ويتمان في قصيدته "عندما ازهر الزنبق عند الباب". سرعان ما استطاع تحويل حزنه الى بحثا عن لغة وصف حية و صوتا شافيا يهتز صداه خلال العصور و يدعونا الى الانضمام الى كورس يغني للاتحاد.
—CM
سؤال
حاول ان تتذكر مأساة تاريخية او معاصرة، لها اثر وطني او محلي او حتى شخصي و حاول وصف هذه المأساة بوضوح قدر الامكان بالاعتماد على البحث و المقابلات او من الذاكرة بنفس الطريقة التي استخدمها ويتمان في وصف حادثة اغتيال ابراهام لينكولن: ما هي المصاعب التي يمكن ان تواجهك لجعل الموقف الذي تصفه يبدو حقيقيا؟ ما هي التفاصيل في وصف ويتمان للأحداث في مسرح فورد التي جعلت الحدث اكثر واقعية؟ هل هناك ما يجعلك تعتقد ان الوصف اصبح خياليا؟
اجب عن السؤال في مربع التعليق ادناه او على صفحة ويتمان في الفيسبوك.