توطئة
هناك عدد من القصائد في ديوان "قرع الطبول—الجزء الثاني" و التي يمكن ان تبدو في البداية لا تلائم المجموعة التي يتضمنها كتاب لقصائد الحرب الاهلية و قصيدة "اغني للإلهي المربع" . ما الذي تفعله قصيدة دينية لأله مربع في ديوان عن الحرب؟ وماذا نفهمه من عنوان القصيدة غير المكتمل نحويا؟ كان ويتمان يفكر بالقصيدة خلال الحرب، و في نسخته عن ديوان "اوراق العشب" 1860، كتب ملاحظات لنفسه حول اضافة القصيدة لطبعته القادمة—في ذلك الوقت، كان يفكر في تسميتها "الرباعي" او "الاله رباعي الاضلاع" (ايضا قام باختراع اسماء خرى لذلك الاله الرباعي التكوين). و عندما قرر تسميته الالهي المربع" جعل الصفة هي الاسم. و الفعل الذي يغني له هو فعل اضفاء صفة الالوهية، لتصبح القصيدة اداء شعريا للإله دائم التحول. و بنفس الطريقة التي يكتب بها ويتمان، فأن الفعل مستمر في تصريفه—غناء لا ينتهي لأله دائم التحول و الذي يعيش صراع دائم. فيقترح هنا ويتمان ان الامريكيين سوف يستمرون في فعل صنع الاله دون ان يستقروا على اله معين.
وهذا الاله الجديد الذي عرفناه الان هو اله قد شكلته امه انقسمت الى اثنين، اله من اجل امريكا موحدة تحتوي في داخلها على رغبة مستمر في التمرد و رغبة في تحدي اي حدود. و هذه الرغبة الشيطانية في التمرد كانت موضوعة ويتمان في اوراق العشب (فلقد سمى العبد المتمرد في قصيدة "النائمون" بلوسيفر، احد اسماء الشيطان) و اصبحت موضوعة ملحة اكثر خلال الحرب عندما استخدمت الكونفدرالية في ثورتها الانفصالية عن الاتحاد نفس المنطق التي استخدمته المستعمرات في انفصالها الثوري عن بريطانيا.
في اواخر حياته حاول ويتمان توضيح اهمية القصيدة: "من الصعب اعطاء الفكرة شرحا رياضيا: فكرة التساوي الروحي—المادة الروحية: الكينونة الرباعية—الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب للكون (حتى الكون الروحي)—الاتجاهات الاربعة التي تمثل الكون (الشي الخارق للطبيعة): هذه ليست القصيدة و لكنها الفكرة وراء القصيدة". توجه ويتمان نحو الجغرافية—الاله الذي يجلب "التساوي الروحي" الى "الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب"—توحي بالاتجاهات الاربعة للبلاد—و هي الاتجاهات التي يحاول ويتمان توحيدها سوية بعد الحرب (وهنا نتذكر قصيدة "ايها الرواد!")
لكن هذا الاله الرباعي—يبدو كأنه توسيعا للثالوث المقدس—يصور التاريخ الامريكي كما يقول الناقد كيري لارسون. الجانب الاول لهذا الاله هو واضع القانون—جهوفا، براهما، ساتورينس، و الاب، اله العهد القديم وهو يعطي احكامه دون ندم. من الناحية السياسية هذا الاله هو دستور الولايات المتحدة، تلك الوثيقة الرسمية التي تضع اساس حكم البلاد. هذا الدستور بالطبع كتبه الثوريون قرب الرأس اله الذي يظل يخطط للثورة و يظهر على انه ملئ بالمؤامرات و افكار الحرب. مثلت الكونفدرالية اكثر مثالا واضحا و خطرا في التاريخ الامريكي لهذه القوة الشيطانية، لكن ويتمان يربط بين "فرقة المجرمين" هؤلاء مع الاخوة العبيد و يعطيهم وجوها سوداء. ثورة العبيد في فترة ما قبل الحرب كانت مبررة (من قبل انصار الحرية و العبيد انفسهم) من خلال الاشارة الى تأسيس البلاد الثوري و اعلانها للاستقلال و ايمانها بحق كل من يشعر بالظلم لان يثور ضد من يظلمه. هذه التوتر الثوري متجذر في التاريخ الامريكي و الذي يعرفه ويتمان بأنه جزء من الشخصية الامريكية، الصراع المستمر بين حق الفرد و المسؤولية الاجتماعية، بين استقلالية كل ولاية والسيطرة الفيدرالية. عندما اصبحت الثورة وثيقة حكومية، الدستور نفسه اصبح ظالما للبعض و اصبح التاريخ الامريكي معركة لا تنتهي حول كيف للامة و وولايتها و مواطنيها يفسرون حقوق الفرد التي يحميها الدستور مقابل حمايته للرابط الاجتماعي العام.
و هكذا قرر ويتمان ان امريكا تحتاج الى مضمد للجراح، منقذ مثل المسيح و هيرميس (او مثل ويتمان الذي كان يزور المستشفيات) الذي كان يلعب دور الاله المشجع الذي يجلب الامل و العطاء الخيري معطيا حبا جميلا الى كل الابناء غير المقتنعين و الذين اصبحوا يشعرون بعدم الاقتناع. الالهي الرباعي هو رأس اله يحتوي على الاتحاد الذي يضع القوانين و الكونفدرالية المتمردة و الروح المسامحة و المحبة لشفاء و استيعاب التمرد (حيث تم تعديل الدستور للقضاء على العبودية و استثمار حق المواطنة عند العبيد السابقين و عند النساء و حتى الكونفدراليين). اله ويتمان الرباعي يجسد الجانب الشيطاني في رأس الاله جاعلا من هذا الاله الامريكي يتحدى ذاته، الها يختبر سلطته الذاتية و يتحدى حدوده و يعدل ما كان يعتبر قيودا في السابق.
الجانب الرابع لهذا الاله هو الحياة و الروح العامة التي لها وجود اثيري و مادي في الوقت نفسه. هو روح التصالح و الذي يضم الاله و الشيطان سوية و يثبت ان كلاهما يحتاج الاخر لكي يعرف ذاته (بدون ثورة، حدود القوانين ليس بالمرئية لكن بدون هذه الحدود ليس هناك من سبب للثورة). التعدي يحتاج الى قيود لكي يعتبر تعديا، الحدود تحتاج الى التعدي لتعريف ما هي الحدود. استمرار و اتحاد روح الحياة هو الهاما و تنفسا لتاريخ الامة الذي يبقي على التردد بين الاحتفال بحقوق الفرد والاحتفال بحقوق الجموع المتنوعة بني تفضيل القوي و تفضيل الضعيف بين التحول الى الاحمر و التحول الى الازرق (كما تصور لنا الخرائط الانتخابية الصراع بين الاثنين). و باستمرار هذا التنفس الى الداخل و الخارج، يصبح تاريخ الامة اكثر قوة مع كل يوم نعيشه. ما نحن عليه كامه هو ما تنتجه الروح الكونية. هذا الوقاع قد يكون في بعض الاحيان بشعا و عنيفا لكن في النهاية، كما يعتقد ويتمان، الاتحاد يستمر و قيود جديدة توضع و يحصل التصالح و ربما يظهر تمرد جديد بطريقة ثورية. و تبقى امريكا تغني للإله و روحه هو هذه القصيدة بحد ذاتها في ورقتها المربعة—اربعة اوجه تحتوي على جوانب دائمة الصراع و التصالح.
—EF
اغني للالهي الرباعي
1 اغني للالهي الرباعي، من الذي يتقدم، ومن الجوانب؛ من القديم و الجديد—من المربع السماوي، مجسد، باربعة اوجه(نحتاج الى كل الجوانب)...من هذا الجانب انا يهوا، انا براهانا القديم، و انا ساترونيس؛ لا يؤثر في الزمان—فأنا هو الوقت و الحاضر انا؛ لا يمكن اقناعي، عنيد انفذ احكامي العادلة كيف اشاء؛ فانا كالأرض كالأب المقدس و الكرنوس البني العتيق لدي قوانين قديمة لا يمكن حساب عمرها—لكنها تظل جديدة على الدوام—اتجدد مع تجدد القوانين، بعناد لا اسامح الانسان—فمن يذنب يموت—سوف اخذ حياة ذلك الانسان؛ لذلك لا ادع احدا سوى الرحمة—هل للفصول و اشباع الرغبة و الايام الموعودة رحمة؟--ومثلهم لا املكها انا؛ فقط مثل الفصول و الاشباع انا—وكل الايام الموعودة التي لا تسامح احدا، اخذ من هذا الجانب احكاما لا يمكن تغييرها، بدون ان اشعر بالندم 2 مستشار حنون، هذا الذي يتقدم، يمد يدا كريمة الى الاله العظيم الذي هو انا، تنبأني الانبياء و الشعراء في كل نبوءاتهم و اجمل قصائدهم؛ انظروا الى هذا الجانب، يحدق السيد المسيح—انظروا الى هيرميس—وجهي هو وجه هيركليس؛ فكل الالم و الجهد و المعاناة اعدها انا و استوعبها في نفسي؛ رفضوني عدة مرات، و ضعوني في السجن، و صلبوني ومرة اخرى سيكررون الامر عدة مرات؛ فتركت العالم من اجل اخوتي والاخوات—من اجل الروح اشق طريقي خلال البيوت غنية ام فقيرة، اقبلهم بحب؛ فأنا هو الحب—فأنا الاله الذي يجلب البهجة انا الاله الذي يشمل كل الخير؛ (ومع ذلك فأنا القاهر الذي ستنحني له كل جيوش العالم—و كل الاسلحة سوف تقف عاجزة امامي) كلماتي هي الخير—كلمات العقل، كلماتي انا شابا و قويا انا، اعرف انه قدري ان اموت صغيرا: لكني عطائي لن يموت—ولن تموت حكمتي لا مبكرا و لا متأخرا، و حبي الجميل سوف لن يموت هنا او هناك 3 منعزلا، ساخطا و يخطط للانقلاب، رفيق المجرمين و اخا للعبيد، جاهل محتال يكرهه الجميع، بوجه متعب انحني—اسودا لكن في اعماق قلبي، املك كل الكبرياء؛ اثور الان و دوما بوجه كل من يحاول ان يحكمني؛ املك الخديعة و الذكريات، كثير التأمل و المكر، (بالرغم من انهم اعتقدوا انه قد هزمت و تفرقت الى اشلاء فاعتقدوا ان مكري انتهى—لكن هذا لن يحصل ابدا) متمرد انا، فأنا الشيطان الذي يحيى—و ينطق الكلمات—في اراض جديدة يظهر من جديد (و في القديمة ايضا) على الدوام هنا، الى جانبي الحرب تستمر، كما لو كانت حقيقة، لا زمان و لا تغيير سوف يغيراني او يغيران كلماتي. 4 انا الروح الكبيرة، اتنفس الحياة، ابعد من الضوء و اكثر نورا من النور، ابعد لهيب الجحيم—ببهجة اقفز من الجحيم؛ خلف الفردوس—تتعطر بعطري انا ، اضم كل الحياة على الارض—المسها وحتى المس الرب—معهم المنقذ و ابليس؛ اثيريا انا اهيمن على الجميع (فبدوني ماذا يكونون؟ ما هو الرب؟) جوهر الاشياء انا—حياة الهوية الحقيقية انا مستديما و ايجابيا انا (انا ببساطة لا تراني) حياة العالم المدور، الشمس و النجوم، و الانسان، انا –انا الروح الكبيرة، هنا ينتهي الرباعي، المجسم، انا الاكثر صلابة تنفسوا انفاسي خلال هذه الاغنيات القصيرة.
خاتمة
صناعة او تخيل الاله تعتبر ممارسه شائعة في الشعر الديني، من بداية ترانيم داود و سليمان الى اغنيات راميان الهندوسية و اشعار الرومي الصوفية. فقصيدة الفردوسي "شاهنامه" و قصيدة دانتي "الكوميديا الالهية" وقصائد ميلتون "الفردوس الضائع" و "استعادة الفردوس" وقصيدة باشو "الطريق الضيق الى الباطن" و قصيدة "الحلم" للكاتبة خوانا اينيس دي لاكروث و كتب الرؤيا للشاعر ويليام بليك و غيرها الكثير من الاعمال الادبية جميعها كانت تسعى وراء ادراك الاله من خلال تخيله بطريقه ماديه او تشبيهية لإدراك ما لا يمكن استيعابه. الامر الذي توحي به هذه و غيرها من الاعمال هو ان السعي وراء المغزى الروحي يقبع في داخل الماهية الانسانية. ومن هنا كان ملائما ان يسعى ويتمان بعد انتهاء الحرب الاهلية لان يغير من فهمه لألية الكون من اجل ان يستوعب ويعمل على شفاء الانشقاق بين الجنوب و الشمال. وهنا نستذكر احد الابيات من مرثية اودن للشاعر ييتس معبرا ان جنون الحرب قد الم ويتمان وجعله ينتج رؤية اخرى عن الشعر و التي في حالة قصيدته "اغني للالهي الرباعي" ينتج عنه صورة اله يجسد التوتر الذي هو في قلب التجربة الامريكية: متلازمة الثورة و التصالح التي شكلت الامة منذ نشأتها.
الصوت الذي يتبناه الشاعر في القصيدة يبدو شيطاني ومتعبد في الوقت نفسه و يمثل جوانب مختلفة من الوجود و طرقا مختلفة لاستيعاب الواقع الذي تنبأ به الانبياء و الشعراء في اكثر قصائدهم جمالا. و يذكر احد ابيات القصيدة في المقطع الثاني كلمات اساسية في قصيدتي "عندما ازهرت اخيرا" و قصيدة "اغنية نفسي" : "كل الالم و الجهد و المعاناة، اعدها و استوعبها في نفسي". تلك المهمة العظيمة لاستيعاب الكل و التي شغلت ويتمان في فترة ما قبل الحرب يجب ان تضاف الان الى مهمة احصاء الالم و الخسارة—و التي تعتبر ضرورية لتركيبة "الروح الكبيرة/حيث تنتهي هنا الرباعية و الاكثر قوة، الانا الاكثر قوة". هنا يقبع الجزء الاكبر من الروح و الذي سوف يكفيه لبقية رحلته: "تنفس انفاسي عبر هذه الاغاني القصيرة".
اله ويتمان رباعي الاوجه لا يذكرنا بالاتجاهات الاربعة للبوصلة فقط و الفصول الاربعة للسنة و العناصر الاربعة و المراحل الاربعة للحياة لكن ايضا يذكرنا برؤية ويليام بليك الاربعة الاوجه و التي ذكرها في رسالة الى توماس بات في 22 نوفمبر 1802:
ارى الان رؤية رباعية الوجوه
رؤية رباعية الوجوه منحت الي،
مسرور انا لأنها رباعية الوجوه
و ثلاثية بنعومة ليلة بيولاه
و ثنائية دائما، فليحفظها الرب
من ان تكون احادية و ليحفظها من غفوة نيوتن.
كان بيلولاه هو الشخصية التي يتبناها بليك للاوعي، مصدر الشعر و الحلم، و الذي بدونه لا يمكن ان يستوعب الجميع. لا يريد ان يتورط في رؤية احادية ميكانيكية عن العالم. فما يراه هو منظورات مختلفة و التي تثير قمة البهجة عند قراءة ويتمان قبل و بعد الحرب الاهلية.
—CM
سؤال
سواء كنت تؤمن بالله ام لا، سواء كنت من الذين يعبدون الها واحدا او عدة الهة، فمن المفيد ان تتخيل شكل الاله—ما هي الخصائص المرغوبة لتكون في هذا الاله و كم جانب يمتلك. هي سيكون الهك ذو هوية جنسية؟ ذكر او انثى؟ ام هو بلا جنس؟ ام متعدد الاجناس؟ هل سيكون له قوة خارقة ام محدود القوى؟ هل هناك شيء في الكون يعكس الهك؟ خلق على صورته ام لا؟ هل يتدخل الهك في احداث الكون ام لا؟ اكتب عن الاله الذي يكون معك (او انت تكون معه) في اسوأ ايامك؟
اجب عن السؤال في مربع التعليق ادناه او على صفحة ويتمان في الفيسبوك.