“When Lilacs Last in the Door-Yard Bloom’d”; courtesy Walt Whitman Archive and Library of Congress, Charles E. Feinberg Collection of the Papers of Walt Whitman.
"عندما ازهرت اخيرا الليلك عند الباب" ، من ارشيف والت ويتمان و مكتبة الكونغرس، مجموعة جارلز اي فينبرغ لأوراق والت ويتمان 

توطئة

قصيدة ويتمان "عندما ازهرت اخيرا الليلك عند الباب" تسجل لنا محاولة الشاعر لان يغني بطريقة ملائمة موت الرئيس و الموت الجماعي للشباب في الحرب. فهو يستمع لصوت طير لا يراه—طائر ناسك وحيد—يغني بصوت عالي لغنية يرى فيها الشاعر "اغنية الموت عن الحياة". و يعبر الشاعر عن رغبته اليائسة في ترجمة اغنية الطير الى اغنية انسانية و يستخدمها في اغنية له فهو ايضا يسعى لان يعبر عن نفسه في اغنية بعد ما عاناه في الحرب و التي لا زالت نكباتها تحاوطه. فهو يتبع نداء الطير الى تلك المستنقعات المعزولة و يجد نفسه يمشي مع رفيقين الى جانبه—المعرفة بالموت و فكرة الموت. و يصبح المستنقع المعزول مكان الابداع الشعري—ذلك المكان الذي يندمج فيه السائل و الصلب و يكون فيه تعفن الموت في اوج خصوبته منتجا من هذا الانحلال حياة جديدة ، انه المكان الذي يغني فيه الموت اغنية الحياة. جميعنا نعيش مع فكرة الموت باستمرار –فهي تمشي معنا خلال كل لحظات الحياة—لكننا لا نملك المعرفة بالموت. اذا كان هناك معرفة معينه نحتاجها فهي تأتي فقط بعد ان يحصل الموت. فجميعنا نسير في الحياة ملاحقين ما بين فكرة الموت و ما بين معرفة الموت. ومع ذلك في المستنقع يبدأ الشاعر بترجمة اغنية الطائر الوحيد، اغنية الطائر التي تبعث على الاطمئنان و القلق في الوقت نفسه: فالموت سوف يأتي عاجلا ام اجلا للجميع لكنه سيكون جميلا و مطمئنا. فأغنية الموت في النهاية هي اغنية جماعية و مفرحة.

مع احاطة رائحة المستنقع و اقتراب فكرة الموت من معرفة الموت في المكان، يسمح الشاعر لنفسه بأن يفتح عينيه ليرى جيدا مآسي الحرب الاهلية التي عاشها خلال السنوات القليلة الماضية. في لحظة تجلي يسمح لخبراته التي عايشها و هو يعتني بمئات الاف المصابين من الجنود بأن تتجسد امام عينيه و عقله و مخيلته. كان حتى الان قد الجم بصيرته من ادراك ما تراه عيناه لكن الان ما حصل قد غزا عقله و تناثر امامه عالمه الى اشلاء—فيرى كل شيء مبعثر و مكسر مثل تلك الحروف التي كتبت بها صفحة العنوان لديوان "قرع الطبول". وعندما ترى عيناه ضحايا المعارك و كيف تمزقت على ارض الميدان و الهياكل البيضاء للجنود، يستوعب الشاعر كل حطام الجنود في الحرب. هؤلاء هم الملايين الذين ماتوا الذي حاول تلخيص هويتهم لكن لم يستطع استدعائهم: فهم تحولوا الى نفس حطام الارض التي مر بها موكب لينكولن خلال سبرينغفيلد و ايلينوي كما وصفه ويتمان في المقطع الخامس من القصيدة، فالاراضي الامريكية قد امتزجت بحطام الجنود. ما يراه ويتمان مطمئنا انه الان يحمل معه المعرفة التي الهمته اياها اغنية الطير بأن الموت ليس بالضرورة معاناة: فهو يعرف الان ان الموتى انفسهم قد استراحوا في مثواهم الاخير و لا يعانون بعد اليوم. بل الاحياء هم الذين يعانون. اما الموتى فهم لا يقلون بعد الموت—فلقد عرفوا سكينة الموت: بينما الاحياء هم الذي لا يعرفون السكينة بعد.

تنتهي القصيدة بالعودة الى الزمن المضارع المستمر مكررة كلمة المرور، حيث يجد الشاعر بأنه يستطيع ان يتخذ الخطوة الاولى لان يترك خلفه كل الاشياء التي كان منشغل بها في القصيدة—فهو يمرر رؤيته عن الموتى و الليل و اغنية الطائر و الليلك. و بينما تسجل الافعال الاخرى الحداد المستمر (السقوط و الانهيار و الغرق و التحذير و الانفجار) الا انه مع ذلك يستطيع ان يشعر بعملية الازهار و عودة الربيع، وهو اشارة بسيطة للأمل بدلا من ان يكون تذكارا للخسارة التي عايشها.

القصيدة لا تنتهي هنا. فكما فعل تي اس اليوت بعد ستين عام في قصيدته الارض اليباب، يتركنا ويتمان مع بعض القطع التي يحاول ويتمان ان يجمعها ضد الحطام. بالنسبة لويتمان فهو يسمي هذه الاشلاء ما تبقى من الليل، اشلاء الحطام التي يستطيع ان يتمسك بها لتوجهه و يشكل منها قصيدته—نجمة المساء (الزهرة) و التي تبدو براقة جدا و في مستوى متدني من السماء في الليالي التي سبقت اغتيال لينكولن و الطير الذي يغني للموت و رائحة الليلك و الاصحاب الذين رافقوه في المستنقع و جميع من مات و لينكولن نفسه (الروح الاكثر حكمة من كل ايامه و البلدان).

في 1865 كان المقطع الاخير من القصيدة يبدأ "مع ذلك ابقي عليها جميعا". ومع ذلك فأن ويتمان يغير هذه الافتتاحية فيقول "مع ذلك للاحتفاظ بالجميع". هذا التغيير البسيط يغير الجملة من حالة الكمال الى شبه جمله. فعندما يتخيل جمع تلك البقايا و جمع الاشلاء سوية من اجل ان يبدأ خلق مستقبلا من الحطام، ندرك ان ويتمان غير اخر مقطع الى جملة منكسرة. فقد غير الفاعل و ترك فعل الجمع الى مصدر دون فاعل ليبقى الفعل على حاله الى الابد: مجرد من الاكتمال.

—EF

 

Other Available Languages

English

Français / French

عندما ازهرت اخيرا الليلك عند الباب:

14

و الان و انا اجلس خلال اليوم، و انظر الى الامام،
و النهار على وشك الافول و ضياءه في حقول الربيع و الفلاح يحصد محصوله،
وانا انظر الى مشهد بلادي ببحيراتها و غاباتها،
و جمالها السماوي (بعد كل الرياح و العواصف)
تحت سماء المساء المتألمة عندما يمر العصر بسرعة،
و اصوات الاطفال و النساء
و مد البحر—رأيت كيف ابحرت السفن،
و الصيف يأتي بكل جماله و الحقول يشغلها الفلاحون،
و المنازل العديدة تمتد دون نهاية تعيش حياتها اليومية؛
و الشوارع مكتظة و المدن مزدحمة—انظروا هنا و هناك،
يسقط بينهم و عليهم و يغمرهم جميعا،
فتظهر النجمة و يظهر الموكب الاسود الطويل
و انا اعرف الموت و اعرف فكرة الموت و اعرف معرفة الموت المقدسة.

15

وعندها مع معرفة الموت وهي تمشي الى جانبي
و فكرة الموت تمشي قريبا الى الجانب الاخر،
و انا اتوسطهما، مع الرفيقين و امسك بأيديهما،
اهرب الى الليل المرحب المختبأ، الليل الذي لا يتحدث،
الى شواطئ الماء و ممر المستنقع في الظلام،
الى اشجار الارز الميتة و اشبح الصنوبر.

و الطائر الذي يخجل من الجميع يستقبلني؛
ذلك الطائر البني الذي اعرفه استقبلنا نحن الثلاثة؛
و غنى لنا اغنية الموت و اغنية المحبوب.

من الاراضي المعزولة البعيدة،
من عطر الارز و اشباح الصنوبر
جاءنا غناء الطير.

و سحرنا غناءه الجميل،
و انا اقف في منتصف الليل وكأني امسك بيدي رفاقي
و صوت روحي يتأرجح مع اغنية الطير.

16

تعال ايها الموت المريح و الجميل،
في هذا العالم المتموج المدور، يصلنا بسكينة
خلال النهار و خلال الليل، يأخذ الجميع، ذلك الموت الرقيق.

سبحان ذلك الكون السحيق،
سبحان السعادة و الاشياء و المعرفة؛
و سبحان الحب، الحب الجميل—لكن سبحانه سبحانه
ذلك الموت الذي يلف ذراعيه بكل ثقة.

كالام السوداء دائما تقترب قريبا بقدمين ناعمتين،
الم يغني لك احد بترحاب كبير؟

سوف اغني انا لك—فامجدك كما فعلت للتو؛ فانت فوق الجميع؛
اجلب لك اغنية تجعلك تأتي و تأتي دون ان تتباطئ.
تقدم ايها الموت
عندما اخذتهم، غنيت لك بفرح، غنيت للموتى،
الذين فقدتهم في محيطك،
فغمرتهم ببركتك ايها الموت المبارك.

مني اليك الحانا غرامية،
اقترح عليك رقصات لتحيتك—زينة وولائم؛
يلائمك مشهد الطبيعة و السماء الممتدة،
و الحياة و الحقول و الليل بكل تأملاته.

الليل في صمته تحت العديد من النجوم،
شواطئ المحيطات و همسات الموجة التي اعرف صوتها،
و الروح التي تلتفت اليك، ايها الموت العظيم المتخفي خلف حجاب،
و الجسد يستقر قربك.

ارسل اليك اغنية من فوق الاشجار!
من فوق الموجات المرتفعة و المتدلية—ومن فوق الحقول الممتدة، و الجداول الواسعة؛
من فوق المدن المكتظة و الارصفة المزدحمة،
ارسل اليك هذه الاغنية بكل فرح اليك، ايها الموت السعيد!

17

و بقيت روحي تتابع ذلك الطائر المغرد
وهو يجوب الليل بأغانيه و الحانه.

عالية في غابات الصنوبر و الارز المظلمة،
صافية في نداوة الرطوبة و روائح المستنقعات،
و انا مع رفاقي اسير في الليل.

وبصري مرتبط بعيني المفتوحتين،
تبصران كل ما يمر امامي.

18

رأيت صورة الجيوش؛
و رأيت كما لو اني احلم مئاتا من اعلام المعارك؛
تخرج من بين دخان المعارك، و تخترقها القنابل، رأيتها
و حملتها هنا و هناك خلال الدخان ممزق ومليء بالدماء؛
و في النهاية بقيت اشلاء من الاعلام على القضبان (و الكل يقبع في صمت)
وقضبان الاعلام منكسرة و مبعثرة.

رأيت جثث المعارك، الكثير منها،
و الهياكل البيضاء للشباب—رأيتهم جميعا؛
رأيت كل الحطام، حطام الجنود الميتين؛
لكني رأيتهم مختلفين عن ما تصورتهم؛
جميعهم كانوا مسترخين—لم يكونوا يعانون؛
الاحياء من بقي هم من يعانون—الام عانت
و الزوجة و الطفل و الرفيق عانى،
و الجيوش التي بقيت قد عانت.

19

امر بين الرؤى و امر خلال الليل؛
امر و ارخي قبضتي على يدي رفاقي؛
امرر اغنية الطائر الناسك و اغنية روحي،
اغنية النصر و اغنية الموت (يتنوع و مع الاغنية التي تظل تتنوع
تنخفض و تنحب بالحانها الصافية، فترتفع و تنخفض مرة اخرى، تغمر الليل،
تغرق و تختفي بحزن و تحذر و تحذر ومرة اخرى تتفتح بالفرح)
تغطي الارض و تملأ السماء الممتدة،
كما هو الحال مع الترنيمة في الليل التي سمعتها في المستنقعات.

20

هل علي ان اتركك ايتها الليلك بأوراق على شكل قلوب؟
هل علي ان اتركك هناك على عتبة الباب تزدهر مع عودة كل ربيع؟

هل علي ان انتقل من اغنيتي اليك؛
من نظرتي اليك في الغرب وانا اواجه الغرب، اتحدث معك،
ايها الرفيق اللامع بوجه فضي في الليل؟

21

لكني احتفظ بكل شيء و بالجميع؛
احتفظ بالأغنية و موسيقى الطائر الحزين،
و اغنية الروح و صدى الذي تطلقه روحي، كلها احتفظ بها،
مع النجمة اللامعة المتدلية و الوجه المليء بالحزن؛
مع زهرة الليلك و هي تزهر و تغمر الجو برائحتها؛
رفاقي و انا في الوسط و احتفظ بذكراهم للابد—ذكرى الموتى الذين احبهم؛
لذكرى اجمل روح في كل ايامي و الاراضي...
و لاجله ذلك الحبيب؛
الليلك و النجمة و الطير مغمورة باغنية من قلبي
و رفاق يمسكون بيدي قريبين من اغنية الطائر
هناك في اشجار الصنوبر العطرة و ظلمة اشجار الارز.

خاتمة

في قصيدة ويتمان "عندما ازهرت اخيرا الليلك عند الباب"، هناك الثلاثي المطمئن للشاعر وهو النجمة و الطير و الليلك و يضيف لهم الشاعر ثلاثي اخر وهو: المتحدث الذي يتجول في المستنقع مع مرافقين، معرفة الموت و فكرة الموت. مع هذا التغيير للدين المدني، نعرف في بداية الثلث الاخير من القصيدة ان التغيير يحصل في الليل المغطى حيث استقبلهم الطائر، المتحدث و مرافقيه و غنى لهم اغنية الموت عن الحياة و عن المحبوب. كان الفناء من اهم محاور الفن الشعري عند والت ويتمان، من اول مسودة لقصيدته "اغنية نفسي" و حتى الطبعة الاخيرة من "اوراق العشب" التي جهزها و هو على فراش الموت و افضل تعبير عن هذا الفناء جاء بعد اغتيال لينكولن حين التجأ الشاعر الى الطائر المغرد ليعبر عن خسارته.

—CM

سؤال

اسلوب الكتابة مهم. عندما نريد ان نسجل الاحساس بالتشظي و الخسارة في كتابتنا قد يكون من المؤثر استخدام الشكل النحوي و الكلمات التي تعبر عن هذا الشعور و الانكسار كما فعل ويتمان في تعدليه الاخير للقصيدة. اكتب عن لحظة شعرت بها بأنك منكسر واستخدم القواعد النحوية و الكلمات التي تصور ذلك الشعور.

اجب عن السؤال في مربع التعليق ادناه او على صفحة ويتمان في الفيسبوك.