Burial of Union troops at Fredericksburg, Virginia, May, 1864. Library of Congress.
مقبرة جنود الاتحاد في فريدركسبيرغ في فيرجينيا في مايو 1864. مكتبة الكونغرس. 

توطئة

في الطبعة الاصلية لمجموعة قرع الطبول في 1865، كانت قصيدة "مشهدا في المعسكر عند بزوغ الفجر" تشترك بصفحة مع قصيدة اخرى من قصائد ويتمان القصيرة و التي تدعى "صورة مزرعة" و المتكونة من بيتين تعبيرين: "خلال الباب الكبيرة المفتوحة لحظيرة الريف المفتوحة/حقل تضيئه الشمس تتغذى فيها الابقار و الخيل". هذه النظرة الهادئة خلال الباب المفتوحة للحظيرة في مزرعة خصبة تكشف عن حقلا مشمسا تتغذى فيه حيوانات المزرعة وهو مشهد اخر لأوراق العشب حيث تتغذى الحيوانات على العشب الذي ينمو من التربة و الذي ينمو اصلا من الموت. وكما يذكرنا ويتمان دائما فأن حقول امريكا غالبا ما تصبح ميادين معركة خلال فترة الحرب، و غالبا ما تكون الاماكن حث تدفن جثث الجنود بعد ان ينتهي القتال. و كما رأينا في "ملايين القتلى باختصار" فأن هذه الحقول غالبا ما تذكر الناس كيف ان كل حبة قمح نأكلها بعد الحرب تحتوي على دماء الجنود و هذا المشهد المسالم يقدم صورة عودة الموتى للحياة حيث تتغذى الحيوانات على الخضار الذي ينمو من الموت، و الناجون الاحياء في امريكا يتغذون على القطيع و يركبون على الخيل ليكملوا دورة الحياة حيث اموت الحرب الاهلية يصبحون مستقبل الامة. و بعد الحرب، اضاف ويتمان بيتا ثالثا لهذه القصيدة القصيرة—"و الضباب و الافق البعيد يتضاءلان"—موضحا كيف ان مستقبل الامة (و الذي سوف يسميه ويتمان لاحقا "صورا ديمقراطية") يعتمد على و يمتد من هذا المشهد البريء لدورة الحياة الناتجة عن الموت.

القصيدة التي تتبع "صورة المزرعة" تعطينا نظرة اخرى ربما لنفس الحقل قبل ايام او ربما بعد اشهر: الحقل مليء بخيم الجنود و خيمة العلاج خارجها ثلاثة اشكال ممددة، كل جثة مغطاة ببطانية. هذه البطانيات رمادية كلون الفجر في القصيدة على عكس الحقل المشمس في قصيدة صورة المزرعة. و حيث الضوء خافتا نستطيع ان نشعر بالعبء الذي يشعر به الراوي وهو يرفع بأصابيعه الخفيفة البطانيات الثقيلة: فخفة اصابع الشاعر تتناقض مع ثقل البطانيات الرمادية و في الحقيقة لمساته الخفيفة تجلب الضوء مع التعبير عن التعاطف و مراعاة حالة كل جندي. اول بطانية ينكشف عنها رجل مسن نحيل و مكتئبا بشعر رمادي ويختفي وجهه في ضوء الفجر الخافت: الشاعر يباركه مخاطبا اياه بالرفيق العزيز. الشخصية الثانية صغير السن خدوده لا تزال زاهية كزهرة قطفت في اول حياتها و يخاطبه الشاعر بطفلي وولدي. و بعدها يرفع الغطاء عن البطانية الثالثة فيجد وجها جميلا بلون العاج وجها يشبه رسم صورة السيد المسيح و يفاجئه بان يرى ان هذا الوجه هو وجه المسيح فيسميه الشاعر بانه اخو الجميع.

سرعان ما سيصبح هؤلاء الجنود الثلاثة مع العديد من الاخرين لكن في البداية يتلقون التفاتة عاطفية من الشاعر حيث عندما يعرف الجندي الثالث بالمسيح فهو لا يصف الجندي بشكل خاص بل يجعله ممثلا لجميع الجنود فهم جميعا جزء من التضحية الكبرى حيث يموت الجميع لنحيا نحن. هذه هي قصة الجنود في كل حرب: فهم يضحون بحياتهم من اجلنا؛ يموتون من اجل حريتنا، يموتون من اجل ان نعيش. فجميعهم يشبهون المسيح لكن الصلب الجماعي في الحرب لا ينتج عنه توبة لكن يكشف عن قدسية كل جندي. ويتمان هنا يجعلنا نشعر بعبثية الخسارة ونحن نشعر بحتميتها. موت هذا الرجل الشاب—مثل موت الجندي الصبي، مثل موت المسن، و مثل موت كل جندي—مهم مثل موت اي انسان في تاريخ البشرية حتى موت المسيح. هناك قدسية في اعماق اي واحد منا، و في الحرب هذه القدسية تأتي مع اهمال مخيف—الاف من حالات الصلب الدموية في الحرب.

—EF

Other Available Languages

English

Français / French

مشهدا في المعسكر عند بزوغ الفجر

عند بزوغ الفجر بضوئه الرمادي الخافت، رأيت مشهدا في المعسكر
خرجت من خيمتي مبكرا غير قادر على النوم،
و مشيت ببطيء في الهواء البارد قريبا من مستشفى المخيم،
رأيت ثلاثة اشكال ممددة على الارض خارجا دون ان يعتني بها احد،
تغطيها بطانية رمادية و ثقيلة تغطي الجميع.
تملكني الفضول فتوقفت صامتا وبحركة خفيفة
ازحت الغطاء عن وجه اولهم:
من انت سيدي الكبير، نحيلا و مكتئبا، و بشعر رمادي
و عينين جاحظتين؟
من انت يا رفيقي العزيز؟

بعدها ذهبت الى الجندي الثاني—ومن انت طفلي العزيز؟
من انت يا ولدي الجميل وانت في ريعان شبابك؟

بعدها ذهبت الى الثالث—وجه لا صغير ولا مسن، هادئ جدا
بلون عاجي جميل:
ايها الشاب اعتقد اني اعرفك—اعتقد ان وجهك هذا هو وجه المسيح
ميت لكن سماوي، اخ للجميع، مدد هنا مرة اخرى.

خاتمة

خلال فترة احتلال النازيين لوارسو كتب الشاعر البولندي تشيسلاف مليوش قصيدة من عشرين جزء كأنها كتاب مدرسي بعنوان "العالم، قصيدة ساذجة" مقترحا فيها نظره عن الطبيعة تقابل ما يسميه بشعر الشاهد و التي نشرها لاحقا في كتابه ما بع الحرب بعنوان "الانقاذ". السؤال الذي تطرحه قصيدة "الاهداء" وهي اخر قصيدة في الكتاب و الذي يقول "ما هو الشعر اذا لم ينقذ/ الامم او الشعوب؟" اجاب عنه ميلوش بطرق مختلف خلال سيرته الشعرية الطويلة و ايضا اعطاه ردا مباشرا في هذه القصيدة "مجموعة من الاكاذيب الرسمية/اغنية السكارى الذين سيعدمون بعد برهة/ قراءات من بنات الجامعة" ومن ثم يجيب عنه بشكل غير مباشر في قصيدته "العالم" و التي تستذكر طفولته في الريف في اول رباعية بعنوان "الفناء"

الفناء الذي بواباته تتجه نحو الغرب
فيها شبابيك كبيرة. و تدفئها الشمس جيدا.
من هنا تستطيع رؤية الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب،
غابات و انهار. حقول و شوارع تحدها الاشجار.

يكفي ان نقول ان الشاعر لم يكن قادر على رؤية هذه الامور خلال فترة احتلال وارسو التي في نهاية الحرب اصبحت خرابة و في هذا الاستذكار المؤلم للطبيعة و تجاور صور الاعشاب الخضراء مع تبعات الحرب المأساوية، يحقق نفس الغاية التي يحققها ويتمان عندما وضع سوية قصيدة "مشهدا عند الفجر" مع "صورة المزرعة" حيث وضع سوية صور متناقضة عن الحقيقة، حقائق خالدة و حقائق وقتية، ومستدعيا القارئ لان يبنوا علاقة بين الصورتين.

ما يسجله الشاعر في "مشهدا عند الفجر" يضعه في سياق ديني: الجثة الثالثة المستلقية قرب الخيمة العلاجية تظهر للشاعر كوجه المسيح الميت لكنه الهي. لكن ليس هناك اشارة في هذه القصيدة الى ان الميت سيعود من جديد كما هو متعارف عليه مع السيد المسيح. السؤال الذي يطرحه ويتمان على اول جثتين هو "من انت" و الذي يشير الى الهوية المجهولة للعديد من الجنود الذين لقوا حتفهم خلال الحرب الاهلية حيث العديد منهم لم يكن يحمل اي اوراق تعريفية و ايضا يذكرنا السؤال بخوف الشاعر من ان يكتشف شيء لا يريد معرفته. فقد كان يبحث عن اخيه جورج بعد هزيمة الاتحاد في معركة فريدركسبيرغ و المشهد الذي راه ترك اثرا عميقا في داخله.

ضياع الدم لن يعوض ما لم يتم تأسيس اتحاد مثالي من جديد: وهذا يعني ان كل مورد ممكن استخدامه—عسكري، اقتصادي، سياسي او ادبي—يجب ان يقوم بهزيمة القوات الكونفدرالية و يخلقون سياسة مستمرة. تضحية المسيح و وعده ببناء جسر جديد بين الرب و الانسانية هو نموذج العالم الجديد الذي يعتقد ويتمان انه سوف يأتي اذا لم تكن تضحيات كل هؤلاء الجنود لم تكن عبثية. هذا يساعدنا في معرفة قوة قصيدة "صورة المزرعة" لأنها تمثل صورة عن المستقبل كما لو كانت حلم—حقلا اصبح مرة اخرى صالح للرعي يملأه دماء من قتل فيه. "خلال الباب الكبيرة المفتوحة لحظيرة الريف المفتوحة/حقل تضيئه الشمس تتغذى فيها الابقار و الخيل/ و الضباب و الافق البعيد يتضاءلان".

—CM

سؤال

هل هنام مكان—حقل طبيعي—قمت بزيارته و كان مكانا لمعركة و موت جماعي. تحدث عن السكينة في المكان الحالي و الاحداث المؤلمة التي شهدها المكان قبل سنوات او قرون. هل الاماكن جميعها يسكنها شبح الموت؟ هل ما تشعر به الان و انت تستذكر الماضي هي مشاعر ارتياح ام حزن ام رعب؟

اجب عن السؤال في مربع التعليق ادناه او على صفحة ويتمان في الفيسبوك.