توطئة
في المقطع الرابع و العشرين من "اغنية نفسي" يقدم ويتمان نفسه بالاسم لأول مرة. هذه تعتبر اول اشارة عن هوية المؤلف عند القراء الذين قرأوا الطبعة الاولى من "اوراق العشب" و التي لم تكن تتضمن اسم الشاعر على الغلاف. و تأثير هذا هو ان ذلك الصوت النكرة—تلك "الانا"—التي استوعبت الكثر في المقاطع الثلاث و العشرين الاولى اصبح الان ذو هوية فعلية لها ماضيها المحسوس. هذه الانا اصبحت لها اسم. و هذا الاسم يأتي مع تأكيد على علاقاته المحلية و العالمية—والت ويتمان هو "ابن" نيويورك لكنه في الحقيقة مثلنا جميعا كونا بحد ذاته يتناغم مع الكون الاكبر الذي هو جز داخلي منه. و يؤكد لنا وجوده المادي، جسده الذي يأكل و يشرب و يتكاثر، مكملا ما قدمه في المقاطع السابقة من اصرار على ان الروح و الصوت موجودان فقط عندما يتجسدان عندما يكون لهما كتلة مادية. في هذا المقطع يغني ويتمان استعراضا "لامتداد جسدي" و الذي فيه يعطينا صورة عن اعضاءه التناسلية كونها تمثل الطبيعة نفسها، حيث ان العالم الطبيعي و الكون كله يبدو مجموعه لا تنتهي من الاستعارات الجنسية والرغبة في التكاثر. هذا الجسد بالفعل يمتد ليس فقط من شعر الرأس الى اخمص القدم لكن ايضا من الارض الى السماء و من النفس الى الاخرين.
والان يمكن لصوت ويتمان ان يتحدث عن ما هو قريب و بعيد، الحياة التي حوله و الحياة البعيدة جدا عنه. الان سوف "اعطي شارة الديمقراطية" و "كلمة السر البدائية"—ممكنة صوته من الدخول—هي كلمة الاله الديمقراطي الذي يستدعيه: "ووالله ما قبلت شيئا لن يناله الاخرون سواسية". ومن خلال دعوته لهدم جميع الجدران و حتى الابواب و الحواجز مهما كان نوعها، فانه سوف يستدعي جميع الاصوات المكبوتة و " المحرمة" و "غير المحتشمة" من اجل الدخول و التحدث من خلال صوته الديمقراطي. انه الصوت الذي سوف يتحدث عن الضعيف و القوي، و الصغير و الكبير و الاحمق و الحكيم و ما هو مبتذل و محترم. الكون كبير بما يكفي ليحتوي الجميع و ان التعبير عن من لا صوت له هو الغرض الحقيقي من "اغنية نفسي"—ايجاد المعجزة في احقر المخلوقات و ايجاد التجدد المقدس في ممارسة الجنس و الموت و ايجاد ما هو مقدس في الجسد حيث ان العمل الصعب و الشاق للجسد ينتج "رائحة اطيب من الصلاة" لان العمل الجسدي (والذي يتضمن كتابة هذه القصيدة) يحدث التغيير في العالم يحدث تغييرا في العالم. انقلبت هنا معايير اخلاقيات القرن التاسع عشر و الدين التقليدي: الجسد و الروح الذي تتجسد فيه هو ما يهم في النهاية و ليست الروح غير المادية . مقاييس الاخلاق و الحشمة نبذت في هذا المقطع و ما تم الكشف عنه في هذه السطور هو واقع الرغبة و الشهوة الذي يتحدى الشاعر ليفتح واسعا خياله.
—EF
كلمات العصور السالفة تظل تتفتح الى الأبد أما كلمتي فكلمة عن الجديد ، الكلمة - الجماهير كلمة الايمان الذي لايتردد الآن ، أو الأبد ، هما الشيء نفسه عندي انني أتقبّل الزمن مطلقاً . إنه وحده الذي لاينصدع إنه وحده يحيط بالكل ، ويكمل الكل ذلك الاندهاش الغامض المحير الذي يكمل وحده الكل . إني أتقبّل الواقع ، ولاأجرؤ على مساء لته المادية أولاً والفكرة أخيراً . ليعش العلم الوضعي ! لتعش التجربة الدقيقة ! ضع الودْنة مع شراب التفاح وأفنن الليلك هاهو ذا مؤلف المعاجم ها هو ذا الكيمياوي ها هو ذا الذي يقعّد النحو من الظروف القديمة أولاء هم البحارة الذين ينزلون السفينة في بحار خطرة مجهولة هاهو ذا الجيولوجي . وها هو ذا الرياضي . أيها السادة ، لكم التشريف الأول دائماً ! إن حقائقكم نافعة ، لكنها ليست مسكني فأنا أدخل بها في منطقة مسكني . الذين يذكّرونني بالممتلكات ، لايخبرون كلماتي إلا قليلاً أما الذين يذكّرونني بحياةٍ لم تُعرف ، والحرية ، والخلاص - فهم يخبرون كلماتي بالكثير ولايتحدّثون طويلاً عن الخنثى والخصيّ ويفضّلون الرجال والنساء الأكفّاء ويدقون صنج الثورة النحاسي ويقفون مع المشردين< br> ومع أولئك الذين يكيدون ويتآمرون
وولت ويتمان، كونٌ بحاله، وابنُ مدينةِ مانهاتن، مشاغبٌ، مكتنزٌ، شهوانيٌ، يأكل ويشربُ وينجبُ، إنّه ليس سنتمنتالياً، ولا يتعالى على النساء والرجال، أو يقفُ بمعزلٍ عنهم، وليس أقل أو أكثر تواضعاً منهم. اخلعوا الأقفالَ من الأبواب! اخلعوا الأبوابَ نفسها من مفاصلِها! كلّ من يهينُ الآخرَ يهينني، وكل ما يُقال أو يُفعَلُ يرتدّ إليّ أخيراً. عبري، يفيضُ الإلهامُ ويطفحُ، عبري، يمرّ التيارُ والمجرى. أهمسُ بكلمة السرّ البدائية، وأرسمُ شارةَ الديموقراطية، وأقسمُ أنني لن أقبلَ بأي شيء لا يجدُ فيه الكلّ ضالّتهم وبالشروط نفسها. عبري، تمرّ أصواتٌ مديدةٌ خرساء كثيرة، أصواتُ الأجيال المتعاقبة من سجناء وعبيد، أصواتُ المرضى واليائسين، اللصوص والأقزام، أصواتُ فصول التهيئة والنموّ، والخيوط التي تربطُ النجومَ ببعضها، أصواتُ الأرحام و مني الآباء، وحقوق أولئك الذين يدوسهم الآخرون، أصوات المشوهين، التافهين، البليدين، الحمقى، والمحتقرين، الضباب في الهواء، والخنافس التي تدوّرُ كرات الزبالة. عبري، تمرّ الأصوات المحظورة، أصوات المُتع والجنس، أصواتٌ مقنّعة أنزعُ عنها القناع، أصوات غير مهذّبة، أصفّيها وأحوّل جوهرَها. لا أضغطُ بأصابعي على فمي، وأبقى ألامسُ الأحشاءَ بكلّ رفقٍ مثلما ألامسُ القلبَ والرأسَ، فالجماعُ ليس أقلّ شأناً من الموت بالنسبة لي. أؤمن بالجسد وبالشهوات، النظَرُ والسمعُ والشعورُ هي من المعجزات،,br> وكلّ جزءٍ وثنيةٍ منّي معجزةٌ. إلهيٌ أنا، داخلاً وخارجاً، ويصيرُ مقدساً كلّ ما ألمسُه أو يلمسني، وعبقُ رائحة هذين الإبطين أكثر حلاوةً من الصلاة، وهذا الرأس أنبلُ من الكنائس والكتب وكل المعتقدات. وإذا كنتُ سأعبدُ شيئاً أكثر من غيرِه فسيكون انبساطُ جسدي أو أي جزء منه، أيها التكوينُ الشفّاف منّي، ستكونُ أنت! أيتها الأدغال الوارفة والواحات الظليلة، ستكونين أنتِ! وأنتَ يا نصلَ المحراث الذَكَري، ستكونُ أنتَ! وكلّ ما يذهبُ إلى حرثي، سيكون أنت! أنتَ يا دمي الثري! سائلك الأبيض يعرّي حياتي حتى اللبّ! والنهود التي تضغطُ على نهودٍ أخرى، ستكونين أنتِ! ويا عقلي، ستكون تلك تجلّياتك الرفيعة! جذرُ قصب الذرة المغسول! طائرُ الشّنقب الولهان! العشّ المحروس لبيضتين متشابهتين! ستكونُ أنتَ وأنتَ! القشّ المخلوط المبعثر للرأس، واللحية والعضلات، ستكونين أنت! السائل المذروف للقيقب، وألياف سنابل كثيرة، ستكونين أنتِ! شمسٌ، جدّ سخية، ستكونين أنتِ! غبشٌ يضيءُ ويظللّ وجهي، ستكون أنتَ! رياحٌ بأعضائها التناسلية، ذات رنين ناعم وهي تلامسُ جسدي، ستكونين أنتِ! الحقول الشاسعة الذكورية، أغصان البلوط الحيّ، المتسكعون العشاق في دروبي العاصفة، ستكونون أنتم! يدان صافحتهما، وجه قبّلتهُ، حيّ لمسته ولو لمرة واحدة، ستكونون أنتم وأنتم. أنا شغوف بنفسي، وثمة تلك الفسحة منيّ، وجميعها حلوة المذاق، كل لحظة، وكل ما يحدث، يشيعُ فيّ الغبطة، لا أستطيع أن أفسّر كيف تميلُ كاحليّ، ولا عن علّة أوهى هفواتي، ولا عن سبب الصداقة التي أبثّها، ولا عن سبب الصداقة التي أتلقّاها من جديد. أصعدُ إلى شرفتي، وأتوقّفُ لأتأكدَ بأنها هناك حقاً، انبلاجُ الصبح خلف نافذتي يروي شغفي أكثر من فلسفات الكتب. يا للنظرِ إلى انبلاج الصبح! الضوء الصغير يطردُ الظلالَ العملاقةَ الشفّافة، والهواءُ مذاقُه حلوٌ في فمي. أثقال العالم المتحرك تنبثق بطيئةً، في وثبات بريئة، تندفع، ثم تنحرف مائلةً، في انخفاضٍ وعلوّ. شيءٌ ما لا أستطيعُ أن أراه يصوّب إلى الأعلى نتوءات شهوانية، بحارٌ من العصير الساطع يغمرُ السماء. الأرضُ الماكثة مع السماء، الالتحام اليومي لوصلهما، التحدّي الجيّاش من الشرق، في تلك اللحظة، فوق رأسي، العلامة المتهكّمة، تأمّل، عندئذ، هل ستكونُ السّيدَ!
Song of Myself, Section 24 —poem read by Nadia Fayidh
خاتمة
حيث انه من الشائع في السياقات الادبية ان يحصل الكتاب الذين يتحدثون و يعبرون عن من لا صوت لهم الكثير من المدح و هم يقومون باستدعاء كل ما هو ممنوع و محرم و من هو لا صوت له، الا انه من الافضل العودة الى اصل الدافع وراء هذا التعبير—وهو محاولة ويتمان لتوسيع قدراتنا في التعاطف مع الاخرين و ربط الاشياء الواحد بالأخرى و توضيح الطاقة المستأصلة في ما هو غير محترم و هارب و ضائع. و في النهاية يسمي نفسه في هذا المقطع كفرد و كرمز للكون و ابنا و عاشقا و مساويا للكل و يستلهم من الكل. كل شيء في الكون من الحشرة الصغيرة في الطين الى النجوم له صوت ينطق عن طريقه. كل شيء يلمسه او يلمس به هو مقدس—ونفس الشي ينطبق علي و عليك.
ما هي "كلمة السر البدائية، شارة الديمقراطية"؟ انها الرغبة التي تربطنا سوية، و بالعالم. ان نقطة التركيز في هذا المقطع هي ترنيمة للجسد و رغباته و للأخر و لكل الخليقة. في مقطع واحد يردد عبارة "سوف تكون انت" اربعة عشر مرة و الحاحه يخترق كل وقاعد اللباقة و في كل بيت نجد علامات التعجب كما لو كان يريد اطاله فرحته في تلك اللحظة و فرحتنا.
ان مذاق الهواء بعد ليلة من الحب كاف جدا بالنسبة للشاعر وهو يعود الى منزله عند الفجر وهو يدرك انه هناك الكثير في الكون اكثر من أي نص لديانة او معتقد، حتى في "اغنية نفسي". سوف يحول لسانه هذا المذاق الى صوت يستدعينا جميعا.
—CM
سؤال
هل هناك شعراء في ثقافتكم استخدموا شعرهم للتعبير عن "الاصوات المحرمة"؟ وما الذي جعل هذه الاصوات محرمة؟ وهل كان لمثل هذا الشعر تأثيرا على ثقافتكم؟