توطئة
كما لو ان ويتمان يريد ان يلتقط انفاسه من عاصفة المشاعر الجياشة التي اعترته في المقطع السابق، فان ويتمان يعطينا الان اقصر مقطع في القصيدة بعد انسحابه من ممارسة الجنس. المسة المؤثرة التي قد انهى وصفها قد تركته و يخاطب اللمسة مرة اخرى كما لو كانت طاقة كهربائية تغادر جسده المنهك. كانت لحظات الاتحاد قوية جدا--مؤلمة و مباركة وفيها الكثير من النشوى--لدرجة ان الجسدين المحملان بالطاقة الجنسية يخلقان الم الغياب و الفرقة حيث ان غطاء الجسد مرة اخرى يغطي مرة اخرى المتحسسات العصبية الحادة. لكن هذا الافتراق يقابله الان نوع جديد الادراك حيث ان الشاعر يدرك بأنه اي لمسة قوية تستمر في اعطاء المزيد بعد انتهاء نشوى اللمسة. ومثل حمام مطر خفيف يغذي الارض بعد انتهاء الرعد الغاضب والبرق، التاثيرات اللاحقة على هذا الجسد قد تم قرضها (وسوف يتم قرضها مرة اخرى) الى جسد اخر خلال نشوى ممارسة الجنس هي بالفعل تاثيرات غنية. هكذا عندما تغادر تلك اللمسة المؤثرة فأن فقدانها تعويضا على شكل امطارا و التي تسمح للبراعم بالتجمع لتصبح اوراق العشب التي سوف تكبر بدورها كبيرة و ذهبية (بالنسبة لويتمان فان العشب هو ليس فقط تلك المادة الخضراء في الحدائق لكن ايضا ما يسميه الاعشاب الناضجة و الذرة و القمح). فكل الارض الخضراء تنتج اعشابا تنمو للاعلى كما لو كانت نباتات منتصبة متوجهة نحو الشمس. يبدو الامر كما لو ان اللمسة الحسية الرائعة قد ملات الارض جميعها بالطاقة الجنسية مقدما لمحة اخرى عن فكرة ان الطبيعة كلها تدور حول مفهوم التكاثر و نشوة الرغبة ذاتها (كما قال ويتمان في المقطع الثالث). و حيث ان الشاعر يتحدث عن ترك تلك اللمسة "العمياء العاشقة القاتلة" وهي تفارقه، فأنه يسمح لنا بالاستماع الى المعنى المزدوج في عبارة "تفارقني" : نعم هذه اللمسة فارقته لكن ايضا الشعور بها حرفيا يفارقه من ناحية جعله ينمو و يتحدث و ينتج الاوراق، اوراق العشب التي نتجت عن خبرة ملامسة العالم. فالكلمات بحد ذاتها—مثل كل الاشياء الحية—تنمو من لحطة تلامس عميقة و تتخذ شكها في المطر الذي يأتي بعد العاصفة.
—EF
أيتها اللمسة العمياء ، العاشقة ، المقاتلة أيتها اللمسة المغمدة ، المغطاة ، القاطعة أتألْمين هكذا لأنك فارقتِني ؟ الوداع تتبعه الأوبة استيفاءٌ أبديّ ، لدَينٍ أبدي . المطر الهائل ، يغدو هطّالاً في آتية الآيام والبراعم تكتنز عند لجام الفرس والأرض الواسعة ، ذهبية مليئة بالرجولة .
أيتها اللمسة المكافحة، العاشقة، العمياء، يا اللمسة ذات الغمد المكشوف، والأسنان الحاّدة! هل يؤلمكِ الرحيل عنّي؟ رحيلٌ يتبعه وصولٌ، تسديدٌ متواصلٌ لدَينٍ متواصلٍ، مطرٌ هاطلٌ، مدرارٌ، وتعويضٌ أغنى فيما بعد. الزرعُ يشطأ ويمتدّ، يقف قرب الحافة مكتنزاً وغضاً، آفاقٌ تتجلّى ذكوريةَ الهيئة، ممتلئةَ الجسد، ذهبيةً.
Song of Myself, Section 29 —poem read by Nadia Fayidh
خاتمة
الان الم المغادرة، في القطار السريع الى سمرقند، مدينة الحرير و القبب الزرقاء و نصب تيمور لنك الذي امتدت إمبراطورتيه من الهند و حتى مصر و ما بعدها. المصانع المهجورة و البساتين و اشجار الزيتون و القطن المزروع. و حصان يهرول في الطريق. رجال يتمشون عند النهر الذي يتدفق اسفل الجسر. و راوي القصص الاعمى جالس عند الشباك وهو يمتدح قصيدة حب سمعها الامس في متحف سيرجي يسنين الذي كتب اخر قصائده بالدم: وداعا صديقي وداعا..... "الوداع تتبعه الاوبة" هي الطريقة التي يتذكر بها ويتمان ذروة ممارسة الحب، تلك اللحظة المباركة للوحدة و الانتشار و التي اطالها من خلال هذا المقطع القصير المليء باستعارات من عالم الاموال ("استيفاء ابدي لدين ابدي") وبعدها من غنى الطبيعة: المطر و البراعم و حقل عند وقت الحصاد جميعها تقدم التعويض عن الم الادراك بعد انتهاء النشوى. الشاعر يعرف بعض الامور عن ذلك الاتصال الحميم بين لحظتي الوصول و مغادرة النشوى، لحظات البداية و النهاية و التي تتبعها بعين العاشق. ثلاثة مقاطع زوجية و ستة ابيات. سؤال (ليس له اجابة) و مكانا ابيضا فارغ و بعدها شبه جملة و مقطعا على شكل عبارات مصاغة بدقة وتختم بكلمة تعطي الاحساس بالرثاء للقصيدة: "اتية الايام". و بعدها فراغ ابيض اخر و العبارة الصريحة الوحيدة: النضج هو مفتاح هذا الحقل الذكوري. لكن في الربيع، و على طريق الحرير يمكن للروح ان تشعر بالنشوى لمشهد زهور القطن و هي تمتد على طول الافق.
—CM
سؤال
ما هي اكثر المشاهد التي حركت حواسك المادية؟ و ما الذي جعلها كذلك؟