توطئة
في هذا المقطع يتركز انتباه ويتمان على احد الرجال السود، ليس بالضرورة ان يكون عبدا (كما هو الحال في المقطع العاشر)، لكنه سائق لعربة تحمل الاحجار. عمله هذا شاق جدا و هذا الرجل الضخم يقوم به بإتقان، لديه نظرة "امره" و اطرافه "جميلة و صقيله". حرارة الشمس مسلطة على جسده و تسطع عليه كما كانت المياه تحتوي اجساد الشباب الثمانية و العشرين في المقطع الحادي عشر. يتوقف ويتمان ليراقب هذا الرجل عن كثب و يبدي اعجابه بحضوره المليء بالثقة و يعبر عن حبه له. هذا التعبير البسيط و العادي للحب بين مختلف الاعراق يعتبر صدمة عند العديد من القراء في ذلك الوقت، في منتصف القرن التاسع عشر. ملابس هذا الزنجي تشبه تماما صورة الغلاف للشاعر ويتمان التي طبعت في نسخة اوراق العشب في 1855 (وهي نفس الصورة الموجودة في هذا الموقع في المقطع الاول) حيث يكون قميصه مفتوحا الى رقبته و يظهر الشاعر فيها نظرة "هادئة امرة" مائلا قبعته الى جانب واحد من رأسه. هذا التوحد بين شخصية الشاعر و شخصية سائق عربة الاحجار الاسود هي خطوة اخرى نحو تأسيس طريقة التفكير الديمقراطية، حيث يغازل الشاعر جميع اشكال الحياة ("لن اهمل شخصا او شيئا")، مستوعبا كل الاشخاص في نفسه الممتدة و التي لا تفرق بين احد و اخر.
ومن اجل توضيح انفتاحه الجذري على العالم، تنتقل نظرة الشاعر من السائق الى الاحصنة التي يقودها و بعدها الى الثيران التي تجر الحمل الثقيل. لكنه لا يراقبهم فقط، بل ينظر الى القطيع ويحدق بأعينهم ليجد شيئا ما فيها غني و معقد "اكثر من كل ما قرأته مطبوعا طوال حياتي". ويراقب العصافير وهي ترتفع في الهواء مع صوت خطواته، ويبدي اعجابه بأنماط حركتها الدائرية في الهواء ("اؤمن بالأجنحة") وبعدها يقوم بالتنقل من اعلى الى اسفل ترتيب المخلوقات في سلم التطور البيولوجي. واضعا جميع المخلوقات في مستوى واحد بدلا من تصنيفهم تدرجيا (حسب الاعتقاد السائد بأن الانسان هو سيد الكائنات): فهو يعرف بأن الطير له مملكته الخاصة، ثم يضع نفسه في نفس المستوى مع الطير و السلحفاة حيث يرى ان جميعها مخلوقات ذات غرض معين و لها رحلتها الخاصة في هذا العالم. قد نكون نحن البشر فخورين بكلماتنا و افكارنا لكن ان فتحنا اعيننا و اذاننا للعالم الذي يحيط بنا فأننا سوف ندرك بسرعة بأننا لسنا الكائنات الوحيدة على الارض التي تغني عن نفسها: فابو الزريق لم يتعلم السلم الموسيقي ومع ذلك يردد اجمل الاغاني. ينصحنا ويتمان لان ننظر الى عيني اي حيوان من اجل ان ندرك تفاهة الاعتقاد بمكانتنا الخاصة في هذا العالم.
—EF
الزنجي يتشبث بلُجُم خيوله الأربعة والكتلة الصخرية تتحرك تحته مربوطةً بالسلسلة الزنجي الذي يسوق عربة الأحمال يقف ثابتاً طويلاً على رِجل واحدة وقميصه الأزرق ينحسر على رقبته الغليظة وصدره ويتدلى على عجيزته. إن نظرته هادئة آمرةٌ إنه يدفع مقدمة قبعته عن جبهته والشمس تسقط على شعره الجعد وشاربيه تسقط على سواد أطرافه الجميلة الصقيلة. انني أود هذا العملاق الرائع وأحبه . أنا لاأتوقف هناك ، إنما أمضي... أيضا ً. أنا الذي أعانق الحياة مادمت سائراً سواء الى خلف أو الى أمام وسواء انعطفت قليلاً أو كثيراً - لن أهمل شخصاً أو شيئاً إنني أتمثل كل شيء ، لنفسي ولهذه الأغنية أيتها الشيرن التي تضيق بالنير والسلسلة أو تتوقف عند الظلة الظليلة ما الذي تعبّر عنه عيونك؟ يتراءى لي ، أنه أكثر من كل ماقرأته مطبوعاً طوال حياتي تثير خطاي علجوم الغابة وبطة الغابة ، وأنا في جولتي البعيدة إنهما يفيقان معاً ويدوران معاً بطيئينِ أومنُ بالأ جنحة وأرحّبُ نأن يلاعبني الأحمر والأصفر والأبيض وأحدّق ملياً بالأخضر والبنفسجي وتاج العُرْف ولا أحتقر السلحفاة لأنها لم تكن غير سلحفاة فأبو زريق الغابةِ لم يدرس السلّم الموسيقي ، لكن ترديده يعجبني ونظرة الفرس الكَميت تُخجل غباوتي.
بقوّةٍ يمسكُ الزنجي رسنَ خيوله الأربعة، يتزحزح الإسفين في الأسفل، مربوطاً إلى سلسلة، الزنجي يجرّ الكرّاجة الطويلة في الباحة الحجرية، ثابتاً وباسقاً يقف على ساق واحدة، فوق قطعة الخشب المربّعة، قميصه الأزرق، الذي يفضحُ رقبتَه البدينة وصدرَه العريض، ينسدلُ فوق وركه، نظرتُه هادئةٌ وآمرة، يزيحُ رفراف قبعتّه عن جبهته، تهبطُ الشمسُ على شعره وشاربيه المزيتين، تهبطُ على سوادِ عضلاته المصقولة والمنحوتة بإتقان. أراقبُ العملاقَ الفاتن وأحبّه، ولا أتوقّف هناك، أمضي مع الماضين أيضاً. في داخلي يتحرك لطفُ الحياة حيثما أحلّ، متموّجاً في الذهاب كما في الإياب، خارجَ أي محرابٍ، وفي انحناءةِ المراهقة، لا يفوتني شيءٌ أو شخصٌ، أتمثّلُ الكلّ في نفسي، من أجل هذه الأغنية. أيتها الثيران التي تنوءُ تحت النير والقيد، أو تتوقّف في الظل الوارف، ما الذي تفصحُ عنه نظراتكِ؟ يبدو لي أنه يتجاوز كلّ الكتب التي قرأتها في حياتي. خطوتي تجفّل ذكَرَ وأنثى البط في الغابة في تسكّعي البعيد طوال النهار، إنهما ينهضان معاً، يدوران بطيئين في حلقة. أؤمن بتلك الغايات المجنّحة، وأتحسّس الأحمرَ والأصفرَ والأبيضَ وهي تتراقصُ في داخلي، وأعتبرُ الأخضرَ والبنفسجيّ والإكليلَ التاجي أشياءَ متعمّدة، ولا أقول إن السلحفاة لا قيمة لها لأنها ليست شيئاً آخر، وطائر الزرياب في الغابات لم يدرس أبداً سلّم النَغم، لكنّه يصدح بألحان عذبة من أجلي، ومرأى الفرَس الكستنائية يطردُ كلّ حماقةٍ من نفسي.
Song of Myself, Section 13 —poem read by Nadia Fayidh
خاتمة
من ضمير الجماعة "نحن" الى الضمير الفردي "انا"، من مجتمع الارواح التي تفكر بنفس الطريقة الى تلك الروح المنعزلة و التي تنضم الى الكون بأجمعه على مستوى جزيئاتها التي تكونها--هذه هي الرحلة التي يقوم بها ويتمان في المقطع الثالث عشر و الذي يمثل نهاية الربع الاول من قصيدة "اغنية نفسي". فهو ينضم الى فريق مكون من سائق العربة الاسود الذي يقود عربته نحو البرية حيث سيقوم باستيعاب كل شبر فيها داخل نفسه و هناك ايضا الثيران و الطيور و ظلال الاوراق، مدركا لحدود الذكاء البشري. هنا سيد الكائنات و مانح الحياة حسب العقيدة النيقية تسمح بوجود مداعب للحياة، وفي اعلانه لوحدة الكائنات يردد ويتمان متعمدا اللغة التي يحتفظ بها اصحاب الكنيسة الاوائل لروح القدس ("نحن نؤمن بالكنيسة المقدسة. ونعترف بالمعمودية تطهيرا لنا من الذنوب") و بفعل هذا فأنه يقوم بتوسيع مدى توجهاتنا العاطفية. اشارات معتقده وايمانه لا تحملها الحمامة، رمز الروح القدس ، لكن من خلال البط وابو الزريق الذي ينسق اغنيته معه: "اؤمن بالأجنحة/ وارحب بأن يلاعبني الاحمر و الاصفر و الابيض". هذه الوان قوس قزح والوان مختلف اعراق البشر والوان الريش و الازهار و السلحفاة و تاج العرف--جميعها تشتعل في مخيلة الشاعر الذي يمارس معتقداته بشكل اكبر من الثالوث الذي ابتكره القساوسة في المجلس النيقي. من السخافة ان نعتقد باننا نعرف اكثر من الحيوانات و السخف ايضا ان نعتقد اننا اعداء لبعضنا.
—CM
سؤال
خبير الحبوب و النباتي المعروف ويل كيلوغ طرح في احد المرات سؤالا يقول كيف يمكننا ان ناكل ماله اعين. هذا السؤال يستفز تفكيرنا هنا لان هناك شيء عجيب في العين (نافذة الروح، كما يسمونها منذ عدة اعوام). هل عشت لحظات كنت فيها على تواصل مع كائن اخر من خلال العينين؟ وما الذي يمكن ان تراه في اعين الحيوانات و الذي يختلف عن ما يمكن ان تراه في اعين البشر الاخرين؟