Whitman with a ribbon bow
Whitman with a ribbon bow

توطئة

في احد كتاباته والت ويتمان تحدث عن التعليم وقال "العقول الجيدة قديما و حديثا بأن الاقرب و الاكثر شيوعا هو اخر ما تدركه العيون". فمعظمنا يقضي حياته بحثا عن ما هو بعيد ومطلق التكوين، فقط لندرك بعد فوات الاوان بأن المعجزات التي تحيط بنا طوال الوقت هي ما كنا نبحث عنها دائما. في هذا المقطع، يقدم لنا ويتمان اكثر التصريحات راديكالية فيما يخص الهوية الديمقراطية: "انا الاكثر عادية و الايسر و الاقرب". هذه هي عقيدة الشاعر: سوف يكتشف نفسه لكن ليس في الامور الغريبة و البعيدة و الصعبة او المكلفة لكنه سوف يبحث عنها في الناس البسطاء من حوله الذين يراهم يوميا وفي الحيوانات التي تعيش في عالمه. من خلال اكمال عملية الملاحظة التي ابتدأها في المقطع السابق، يقوم الشاعر في هذا المقطع بالتحدث مع الاوز الوحشي الذي يتحدث بلغته مع الشاعر الذي ينصت اليها (وعلى عكس بقية الناس الوقحين الذين تعلموا تجاهل اصوات الطيور)، فأن الشاعر يجد لغة الطير ذات معنى كبير.

مواجهة الشاعر مع الاوز الوحشي هو بحد ذاته فعل مراقبة يقوم به الشاعر بالتصرف مثل الاوزة (يأخذ نظرة طويلة ورفع رقبتنا مثل البجعة من اجل رؤية الاشياء حولنا): ويتمان يراقب بهذه الطريقة الاوز و يترجم صرخاته غير المفهومة الى احرف. هذه التجربة هي مثال اخر لاحترام ويتمان لعالم الطبيعة من حوله، عالم النباتات و الحيوانات الذي يعلمنا كيفية ادراك الاشياء (في هذه الحالة كيفية التحدث عن ما نراه: فاذا كنا مراقبين جيدين مثلا سيقال عنا بأنا نملك عيون النسر). فالطيور تملأ قصيدة ويتمان و التي سوف تنتهي بزيارة من صقر منقط. الشاعر دائما على استعداد لمواجهة الحيوانات و النباتات و عالم الطبيعة فهو "يحب الذين يترعرعون في البرية" و يقضي وقته مع اولئك الذي يعملون في المزارع وفي المحيطات او في الغابات.

ينطلق ويتمان هنا في منح نفسه لأول من يأخذه مستعدا دائما ان يبعثر نفسه مجانا للابد. ومهما كان ما يمتلك فأنه سوف يعطيه ليستغل فرصة منح نفسه لكل شيء حوله والعالم المحيط سوف يغدق عليه بالخير و الوفير.

—EF

ذكرَ الأوز الوحشي يقود سربه في الليل البارد

يقول : يا - هونك ، ويرسلها اليّ من علُ ، مثل دعوة
قد يظنها الوقح بلا معنى
أما أنا المنصت اليها
فأجد غايتها ومكانها ، هناك ، عالياً في السماء الشتائية
ثور الموظ الشمالي ذو الحوافر الحادة
والقطة على حاجز المنزل
وطائر القرف
وكلب البراري
والخنانيص الوليدة وهي ترضع أمها
وفراخ الدجاجة الرومية ذات الجناحين نصف المنشورين
إنني أرى فيها نفسي.
والقانون القديم نفسه.

آثار قدمي على الأرض تثير مائة عاطفة
مائة عاطفة تهزأ بقدرتي على اجتلائها

أحب الذين يترعرعون في البرية
الرجال الذين يعيشون بين الأنعام
أو مع طعم المحيط والغابات
بناة السفن وقائديها ، وذوي الفؤوس والمطارق
وسائقي الخيول ...
إني أستطيع أن آكل وأنام معهم ، أسبوعاً اخر

أنا الأكثر عادّيةً ، والأيسر والأقرب
إنني أنطلق لفرصي
وأهبُ من أجل أن أستردّ الوقير
فرحاً نأن أمنح نفسي لأول ما يأحذني
- غير مرتج السماءَ أن تدنو مستجيبةً لنيّتي -
موزعاً إياها ، الى الأبد ، دون مقابل.
ذكر الإوز البرّي يقودُ سربَه عبر الليل البارد،
يوقّعُ هديلَه كمن يرسلُ لي دعوةً،
قد يظنها سليطُ اللسان بلا معنى،
لكنني، وأنا أصغي ملياً،
أكتشفُ فحوى الرسالة،
عاليةً هناك، تصبو إلى السماء الشتوية.
ثورُ الموظ الشمالي بحوافره الصلدة،
القطّة فوق سقف البيت،
طائر القرقف، ثعلبُ البراري،
أنثى الخنزير المغمغمة مع جِرائها التي تلتصقُ بأثدائها،
صيصانُ أنثى الديك الرومي،
والأمّ بجناحيها نصف المبسوطين،
أرى في هؤلاء جميعاً، وفي نفسي، القانونَ القديمَ نفسَه.
دمغةُ قدمي على الأرض تولّد مئات العواطف،
العواطفُ التي تهزأ بقدرتي على تصنيف أهوائها.
أنا متيمٌ بالفسحة الرحبة للهواء الطلق،
بالرجال الذين يعيشون بين الماشية،
بطعمِ المحيط أو الغابات،
بالبنّائين وقباطنة السفن،
بمطوّعي الفؤوس والمطارق،
وبسائسي الخيل،
أستطيع أن آكل وأنام معهم أسبوعاً وراء أسبوع.
أنا الأكثر ألفةً، الأقرب، الأيسر، والأكثر سخاءً،
أنا، الباحثُ عن حظوظي،
المنفق، في سبيل ربحٍ وفير،
أزيّنُ نفسي لكي أهبَ نفسي لأوّل من يطلبني،
غير سائلٍ السماءَ أن تدنو لتلبّي نيتي الحسنة،
إنها نفسي، أبعثرها، دون مقابل، إلى الأبد.

Song of Myself, Section 14 —poem read by Nadia Fayidh

خاتمة

يقول الكاتب الامريكي ثوروه بان "الموسيقى" مستمرة العزف و ان الاستماع اليها هو المتقطع". في هذا المقطع يعلمنا ويتمان كيف نستمع و يدعونا الى الاستماع الى موسيقى ما هو عادي و مألوف والذي يعتبره افضل الحفلات الموسيقية على الاطلاق. فهو ينصح القراء لان ينفتحوا على اغنية الاوز و صوت نخر الخنزير و صوت ضربات خطواتنا على الارض كلما مشينا. من الواضح انه "القانون القديم نفسه" ينطبق على الجميع: هناك موسيقى في تلك العظام.

هذه الملاحظة التي اعطاها الكاتب ثوروه الهمت المقطوعة الموسيقية لجون كايج و التي امر عازف البيانو فيها لان يتوقف عن العزف لأربعة دقائق وثلاثة و ثلاثين ثانية وهو الوقت المخصص للمعزوفة ككل، معطيا الفرصة للجمهور لان يستمعوا لما هو موجود هناك: صمتا غير مريح ربما وبعدها اصوات وموسيقى البيئة المحيطة--صوت الانفاس و الانتظار. ان تهيئة الذات للاستماع لمثل هذه الموسيقى ليس بالشيء الهين--كانت انطلاقة هذه المقطوعة الموسيقية قد تسببت بالكثير من الغضب. فنحن لا نفضل الاستماع للموسيقى حولنا. كثيرة هي الاشياء التي لا نود معرفتها! لكن بالنسبة لأولئك الذين يمتلكون اذانا صاغية فأن هناك موسيقى حتى في الالم العظيم ("شعورا متشكلا" كما تقول ايميلي ديكنسون)--ونفس الشيء يمكن للأصم ومن فقد سمعه تحقيقه. فالأصغاء هو امرا حسيا: نحن نستوعب موسيقى الخليقة بواسطة اذاننا و عيوننا وانوفنا والسنتنا و بشرتنا. فكل خلية في تكويننا تتوق للأصغاء، بالرغم من اننا نوقف حواسنا مثل البحارة العائدين لأوطانهم في ملحمة الأوديسة الذي يملئون اذانهم بالشمع قبل الوصول الى جزيرة النساء الفاتنات، تلك النساء الساحرات اللواتي يغنين للبحارة من اجل تدمير سفنهم. بالرغم من هذا فأنه من الافضل ربط انفسنا لسارية السفينة مثل اوديسيوس و الاستماع الى تلك الموسيقى التي ملأت قلبه بالرغبة و قضاء ما تبقى من حياته وهو متشوق لشيء ما. يا ليتنا نستطيع الاصغاء! هنا تكمن المشكلة--وايضا لها موسيقاها الخاصة.

—CM

سؤال

يعطينا ويتمان في هذا المقطع تصوره عن صوت الوزة الوحشية : يا- هونك. كيف تتعامل لغتك مع اصوات الطيور؟ في اللغة الانكليزية، صيحة طير البومة يوصف ب "هوو؟" و هنا يبدو السؤال عميقا جدا لان يأتي من طير و مع ذلك فالبومة هي رمز الحكمة. ما هي رموز الطيور في لغتك؟