توطئة
و بعد المقاطع التي تعاملت مع البصر و الصوت و السمع يتوجه ويتمان في هذا المقطع و المقطعين التاليين الى حاسة اللمس و هي الحاسة الوحيدة الغير موجودة في الوجه (حيث يوجد البصر و السمع و التذوق و الشم وهم على اتصال مباشر بالدماغ)، حيث تنتشر في عبر جسدها ككل. يبدأ ويتمان بطرح جديد لاحد اسئلته الاساسية: "ان تكون على أي صورة، م الذي يعنيه هذا؟" نحن جميعا نتحول و نغير مظهرنا الجسدي، تتغير اجسادنا بالثانية ونحن نبتلع قطعا من العالم و نحولها الى اجسادنا. وكما اوضح ويتمان مرة بعد اخرى في هذه القصيدة، فأن كل واحد منا هو حقل كبير من الذرات المتغيرة التي كانت هنا منذ نشأت الكون و سوف تكون هنا حتى النهاية (اذا سيكون هناك نهاية) وهكذا فان الشكل المميز الذي نوجد فيه في هذه اللحظة ليس مهما على الاطلاق. ما هو مهم فعلا هو ان ندرك بأن المادة "تدور و تدور" و دائما تتغير و تتشكل من جديد و نعيش و نموت و نولد من جديد. حتى المحار في نيو انغلاند سوف يكون معجزة بحد ذاتها لو ان التطور لم يستمر ابعد من الرخويات الصدفية. طبعا المحار يمكن له ان يختبأ و يسحب اعضاءه الحسية الى صدفته و يكون محميا من الملامسة. لكن ليس ويتمان و لا حتى نحن: فليس لدينا من صدفة و ما يغطينا—بشرتنا—هي على تلامس مباشر مع العالم طوال الوقت. لدينا "متحسسات في كل اجسادنا": هنا ويتمان يستخدم اللغة الحديثة وقتها للكهرباء من اجل توضيح كيف ان مستشعرات الجسم هي مثل ضربات البرق وهي تتلقى و توجه تيارات الخبرة خلال الذات. في قصيدة اخرى يدعوها ويتمان "بكهرباء الجسد". بشرتنا مليئة بالمستشعرات الحسية لدرجة انه اقل حركة او ضغط على أي جزء من الجسم سوف يريحنا و يثيرنا و—خارج صدفتنا، احياء و مستيقظين تجاه العالم—فأن الشعور باللمس بين جسدنا مع جسد اخر يأخذنا الى حافة الهوية البشرية: "اريد ان التصق بالأخر...قدر ما استطيع".
—EF
إن تكون على أي صورة ، ما الذي يعنيه هذا ؟ (نحن ندور وندور ، جميعاً ، ونعود الى مكاننا) ترى لو أن كل شيء لايتطوّر ، فلنكتفِ بصَدَفة البزاف . أنا لست صَدَفَة يباساً . إن لي موجهين سراعاً ، منتشرين عايَ ، في مسيرتي ووقفتي وهو يمسكون بالأشياء ، ويقودونها فيّ … تكفيني العطفة ، والضغطة ، واللمسة ، لأكون سعيداً أريد أن التصق بالآخر … قدر ماأستطيع .
أن تكون محتوىً داخل شكلٍ ما، ما الذي يعنيه ذلك؟ (ندورُ وندورُ، جميعاً، ونعودُ دوماً القهقرى إلى هناك،) إذا لم يكن ثمة من شيءٍ يتطوّر فالمحارة في قوقعتها القاسية كافيةٌ. أما قوقعتي فليست قاسية، لي مُرشِدين ينتشرون في كل أنحائي سواء مررتُ أو توقّفتُ، يلتقطون كلّ جسمٍ ويقودونُه عبري دون أذىً. أنا أحرّكُ أو أضغطُ أو أتحسّسُ بأصابعي فقط، وأكونُ سعيداً، أن ألمسَ شخصي نيابةً عن شخصٍ آخر هو كلّ ما أقدرُ على تحمّله تقريباً.
Song of Myself, Section 27 —poem read by Nadia Fayidh
خاتمة
اخبرني مخرج مسرحي عراقي مرة وهو يزور نيويورك بأنه تعمد التصادم مع بعض الاشخاص على الرصيف لرؤية ردود افعالهم. و لقد رأى بأن الامريكيين دائما يعتذرون—وهي ملاحظة كانت لتسعد ويتمان الذي ما كان ليطلب العفو بل كان ليفاجئ الغريب باحتضانه. في الترنيمة "تذوق وشاهد بأن الرب جيد"—وهو الامر الذي اتبعه ويتمان حسب ما يراه هو في ترنيمته عن الذات الديمقراطية مستبدلا الرب بالحياة ليرى اشياء في هذا المقطع من خلال حاسة اللمس و التذوق للعالم ككل. فهو لا يخجل من أي احد. بعد حديثي مع المخرج في بغداد، رحلت الى كردستان في شمال العراق و في احد الصباحات في رحلة عبر وادي اخضر من ينابيع المطر خارج قرية موجودة بين مجوعتين جبليتين، اوقف صديقي السيارة ليدور حول صخرة. لقد كانت في منتصف الطريق سلحفاة (ولدت منذ وقت ويتمان على ما اعتقد) لا تأبه بالسيارات و هكذا يبدو فرأسها بالكاد يظهر من صدفتها. يقول الشاعر "انا لست صدفة يباسا" وهو يترجم احاسيسه الى اغنية. بقينا انا و صديقي نحدق بالمخلوق الجميل الذي يشبه في تكوينه المحار و الرخويات و بالفعل كل شكل للحياة، كل جزء من الكل الذي ننتمي اليه منذ البداية، لكن كان علينا الذهاب فمضينا قدما و المخلوق وراءنا.
—CM
سؤال
تحتوي معظم اللغات بصور تربط البشر بالمحار او الحلزون او غيرها من الصدفيات. في اللغة الانكليزية نقول: ان الشخص الذي لا يتحدث يختبأ في صدفته. و الشخص الخجول "تتراجع الى صدفتها". ما هي قيمة مثل هذه الاستعارات؟ هل افتراض ويتمان بأن البشر يعيشون في بشرة حساسة بشكل مستمر تجاه العالم ام ان الصدفة التخيلية مهمة جدا؟تحتوي معظم اللغات بصور تربط البشر بالمحار او الحلزون او غيرها من الصدفيات. في اللغة الانكليزية نقول: ان الشخص الذي لا يتحدث يختبأ في صدفته. و الشخص الخجول "تتراجع الى صدفتها". ما هي قيمة مثل هذه الاستعارات؟ هل افتراض ويتمان بأن البشر يعيشون في بشرة حساسة بشكل مستمر تجاه العالم ام ان الصدفة التخيلية مهمة جدا؟