توطئة
في المقطع الخامس عشر عشنا استعراضا لا ينتهي من الصور الشعرية لكن في المقطع 33 فأن الاستعراض المقدم يبدو اصغر بالمقارنة مع ما سبقه. كونه المقطع الاطول في "اغنية نفسي" ، فأن ويتمان يذكرنا الان كيف ان العالم يبدو له كقاعدة بيانات غير الكترونية. فدفاتره و مذكراته مليئة بقوائم مفصلة عن الاشياء من حوله—مناظر و اصوات و اسماء و نشاطات—يدخلها في سجلاته الشخصية. في احد هذه الدفاتر، يذكر نفسه بأن "البيانات، الشاملة لكل شيء، يجب متابعتها بالتفصيل و الحصول على معلومات كاملة قدر ما يستطيع الانسان". فلقد كان ويتمان يمارس هذا النوع من الاختصاصات الذي اصبحنا نعرفه جيدا: انشاء قاعدة البيانات. و نحن نقرأ هذا الاستعراض نستطيع ان نرى كيف ان هذا الكتالوج يشير الى و يقلد فكرة قاعدة البيانات التي لا تنتهي و كيف انه يعطينا عملية وضع بيانات يمكن ان تستمر مدى الحياة. تعطي هذه الابيات المتعاقبة كمية كبيرة من البيانات التي تشكل جميع ما نرى و نسمع و نلمس، و كل شيء يمكن ادخاله كبيت مستقل في قصيدة. و تبقى قصيدة "اغنية نفسي" تتنقل من لحظات السرد الحالية الى لحظات استيعاب البيانات. في هذا المقطع، نشاهد صفحات من مداخل البيانات التي تتباطأ عند النهاية عندما الاطار السردي فيها هو الذي يسيطر مرة اخرى لكن في كل "اغنية نفسي" نستطيع دائما ان نشعر بتلك الايقاعات العشوائية لهذا الاستعراض الحسي الذي لا ينتهي و الذي يتضمن تفاصيل عن العالم الذي ينساب دون توقف الى حواس الشاعر (و حواسنا ايضا) المفتوحة و المستعدة لاستقبال هذا العالم. عندما يبدأ هذا الاستعراض، يصور لنا ويتمان رحلته الخيالية مع طيران المنطاد الساخن: "كل اغلالي تغادرني". يرتفع فوق الارض و يرى الافاق البعيدة. و مع امتداد رؤيته فأنه يشعر كما لو ان جسمه اصبح ضخما بقدر المسافات التي يراها في خياله. "كوعاه يستقران في الحفر البحرية" و "كفاه تذرعان القارات"—كما لو انه يؤدي اختبارا بالفراسة حول الارض، يتفحص ملامحها كما يفعل صاحب الفراسة و هو يحرك كف يده على جمجمة المريض من اجل تحديد شخصية الشخص (كان ويتمان فخورا جدا بالصفات القوية التي عرفها من الفحص الذي اجراه قبل ان يكتب القصيدة). فيعلن ويتمان بعبارة جميلة جدا "انني اسير برؤياي" ليقول بضرورة استخدام الجسد ككل—من العين الى اخمص القدم—من اجل المشاركة في هذا التداخل للذات مع العالم. عادة افعال الشاعر القليلة—وهي افعال مضارعة مثل "سحب" و "المشي" و "التقدم"—كل واحد منها يولد مجموعة من الاشياء و الاحداث و المشاهد و التي يمكن استيعابها في حروف الجر التي تتبع الافعال. في وصفه يستخدم ادوات التعريف بدلات من ادوات التنكير و بالتالي فأننا نرى "الطائر المحاكي" و "المرأة الودودة و الجميلة"، و "السرير النقال و المستشفى" –ادوات التعريف هذه تبدو انها تسمي طائرا بحد ذاته او امرأة معينة او سريرا محددا بالإضافة الى الصورة المطلقة لهذه الاسماء. في نفس الوقت نكون في مكان معين و في كل الاماكن في اللحظة الحاضرة و في الحاضر المستمر للابد. يدرك ويتمان القوة في رؤيته الشعرية كما يدرك الخطورة فيها: سوف "يحلق تحليقات الروح المرهفة السيالة"، و ينزلق على و خلال و في كل شيء يواجهه و يستوعبه بخياله الخصب لكنه ايضا سوف "يرسى بسفينته لبعض الوقت" و لا يبقى اكثر من دقيقة مع أي شيء. الروح الويتمانية تظل في ترحال في الطريق المفتوح و يبحر في البحر البعيد وليس لديه الوقت للتوقف مطولا امع أي شيء او أي احد و هو خطير ايضا، حيث ان التعاطف المحدود و المستمر مع أي احد او شيء يجمد قدرته على الحب بطريقة ديمقراطية وبدون تمييز. و هكذا يصبح "المرافق الحر" القادر على ان يحب الجميع بشكل متساوي و بسرعة بينما روحه السيالة ترحل عبر العالم الكبير. ومع نهاية الاستعراض يبدأ الموت و الالم و المعاناة بالاستحواذ و تدخل هذه الروح الرحالة في التعذيب الذي يشعر به اولئك القريبين من الموت و الذي يشعر به الشهداء و الذي يشعر به العبد المطارد و رجل الاطفاء المحروق و الجندي الذي يحتضر. و يقول الشاعر "انني امر بالعذاب، كما اغير ملابسي" ثم "انا لا اسال الجريح عن جرحه، فأنا هو الجريح". هذا المقطع الذي بدأ باحتضان العالم الذي يتغير دائما ينتهي ببدايات لحكايات سوداء عن الموت و الالم و الخسارة. فأن احتضان الجميع ليس بالشيء السهل و لا يمكن ان يكون.
—EF
المكان والزمان … إنني لأرى حقيقةً ماظننته آن كنت متمدداً على العشب وآن أرقد وحيداً في مهجعي وثانيةً ، آن أسير على الشاطئ تحت نجوم الصبح التي تشحب كل أغلالي تغادرني كوعاي يستقران في الحفر البحرية وأنا أطوف سلاسل الجبال وكفاي تذرعان القارات . إنني أسير برؤياي … عيد المنازل المربعة في المدن وفي أكواخ الخشب ، مخيّماً مع قاطعي الأخشاب وعبر أخاديد الطرق … عبرالمسيل الناضب ، والجدول الجاري مقتلعاً الأعشاب من بستان البصل أو عازقاً صفوف الجَزَر الوردي والأبيض قاطعاً براري السڤانا مذوّفاً في الغابات مُنْشئاً … ناحثاً عن الذهب مطوقاً الأشجارَ المشتراة حديثاً محترقاً حتى ركبتيّ بالرمل الساخن دافعاً قاربي في النهر الضحضاح حيث يتمشى الفهد ، جيئة وذهاباً ، على فنن عال حيث يلتفت الوعل ، غاضباً ، نحو الصياد حيث الحية ذات الأجراس تتشمّس على صخرة حيث ثعلب الماء بقتات السمك حيث التمساح الأميركي القوي الحراشف ينام عند النهير حيث الدب الأسود يبحث عن الجذور أو العسل حيث القندس يطبطب على الطنين بذنبَه المجذافي . عبرالسكّر النامي عبر مزرعة القطن المزهوة بالأصفر عبر الرز في حقله الخفيض الرطب عبر بيت المزرعة ذي القمة المستدقة ، والمخرمات ، والأعشاب النحيلة المتدلية من الميايب عبر شجر البرسيمون الغربي عبر الذُرة الطويلة أوراقها عبر الكتاب الرقيق ذي الزهرة الزرقاء عبر حنطة العلف البيضاء والسمراء ، مترنماً هناك مع الجميع انني أذرُعُ الجبالَ … عبر خضرة الجاودار ، وهو يتمايل مع النسمة جاذباً نفسي ، حذراً ، الى الأعلى ، متشبثاً بفروع ضئيلة سائراً في الممر المغطى بالأعشاب ضارباً خلل أوراق االدغل حيث طائر السمّان يصفر بين الغابات وحقول لذرة حيث الوطواط يطير عشية الشهر السابع حيث الفراشة الذهبية الكبيرة تسقط في العتمة حيث الجدول ينبع من جذور الشجرة الهرمة ، مندفعاً نحو السهل حيث السائمة واقفة تطرد الذباب بارتعاشاتها حيث كيس الجبن يتدلى من المطبخ حيث مساند الحطب المشتعل تباعد مابين ألواح المصطلى حيث نسجُ العنكبوت يتدلى شرائط من عوارض السقف حيث مطارق السفر تهوي حيث المطبعة تدور حيث القلب البشري يخفق خفقاته العنيفة بين الضاوع حيث المنطاد الشبيه بالرمح يرتفع سامقاً (وأنا أرتفع فيه وأنظر الى أسفل) حيث عربة النجاة تُسحب بالأنشطة حيث الحرارة تحضن البيوض الخضر الشاحبة في الرمل ذي النتوءات حيث أنثى الحوت تسبح مع بعلها ولاتتخلى عنه حيث السفينة البخارية بسحب وراءها راية دخان طويلة حيث ذَنب الكوسج يقطع الماء مثل شظية موداء حيث السفينة نصف المحترة ، ذات الشراعين ، تمخر تيارات مجهولة حيث المحار ينمو على سطحها الرشيق - وحيث الموتى يتعفَنون في الداخل . حيث الراية المزدحمة بالنجوم ، تخفق في طليعة الكنائب انني أبلغ مانهاتن من الجزيرة الممتدة طويلاً . وتحت نياغارا ، يسقط الشلال مثل حجابِ على وجهي . هاأنذا … عند عتبة منزل عند حظيرة خيول من الألواح الخشنة عند ساحة سناق أو عند النزهة أو الرقصة أو لعبة بيسبول جيدة في المهرجانات الرجالية ، حيث الرقصات الصاخة ، والشرب ، والقهقهة في معمل شراب التفاح - أتذوق المهروس البنيّ ، وامتص العصير بالقصبة في قطاف التفاح ، أريد مكافأتي قبلاتٍ ، لما جمعت من فاكهة حمراء . في التعداد ، وحفلات الشاطئ وتقشير عرانيس الذرة ، وتشييد المنزل حيث الطير المكّاء يرسل غرغراته العذبة - يضحك ، ويصيح ، ويبكي حيث كدْسُ التبن في ساحة الهُري حيث السيقان الجافة متنثرة حيث بقرة السفاد تنتظر في الزريبة حيث الثور يتقدم الى مهمة ذكورته والجواد الى الفرس والديك يتبع الدجاجة . حيث البقرة الصغيرة ترعى حيث البط يختطف طعامه برجفات سريعة حيث ظلال الشمس الغاربة تستطيل على السهوب المترامية الوحيدة حيث قطعان الجاموس الوحشي حيث الطائر الطنّان يغرد واهناً حيث عنق البجعة المسنّة ينحني ويلتف حيث النورس الضاحك ينطلق مسرعاً الى الشاطئ حيث يضحك ضحكته شبه البشرية حيث خلايا النحل تمتد على مصطبة سوداء في البستان - يكاد يخفيها العشب المتطاول . حيث طيور الحَجَل المطوَقة تجثم حلقةً على الأرض ، مبرزة رؤوسها حيث عربات الدفن تدخل وسط متاهات الجليد والأشجار المتجمدة حيث مالك الحزين يأتي ليلاً الى طرف المستنقع - ويقتات السرطان الصغير . حيث رذاذ السابحين والغاطسين يبرد الهاجرة حيث الجندي يصقل قصبته على شجرة الجوز عند البئر عبر بساتين الليمون والخيار ذي الأوراق الفضية الأسلاك عبر « المَلْحة » ، وفُرجْة البرتقال ، وتحت شجر التنوب المخروطي عبر الجمنازيوم عبر الصالون المسدل الستائر عبر القاعات العامة ، وقاعات المكاتب - أكون سعيداً بابن البلد ، وسعيداً بالأجنبي سعيداً بالجديد والقديم سعيداً بست البيت ، وبالمتبرجة سعيداً بسيدة الكويكز وهو تنزع قلنسوتها ، وتتحدث متناغمة الكلمات سعيداً بالكلمات المخلصة من الوعظ الميثودستي - المتصبّب عرقاً ، في اجتماع المخيم . ناظراً الى واجهات الدكاكين في برودواي طيلة صدر النهار - مفلطحاً أنفي على الزجاج الثخين - جوّاباً مابعد الظهر نفسه - ووجهي مرتفغٌ نحو الغيوم ، أو متطامن على الدرب أو الشاطئ ذراعي اليمين وذراعي اليسار حول صديقين لي ، وأنا بينهما عائداً الى بيتي مع فتى الغابة الصامت الأسمر الخدّين (إنه يركب ورائي مرتدياً بدلة النهار المتهدلة الحواشي) . بعيداً عن المرابهع المأهولة … أفقد أثار الأوابد ، أو أثر الخُف . وعند سرير المستشفى أناول الليموناد مريضاً محموماً وفي الليل ، والكل نائم … أتفحّص على ضوء شمعة ، الجثةَ وهو في التابوت مبجراً الى كل ميناء : مقايضاً ومغامراً مندفعاً مع الجمع الجديد بكل شوقي وخفَتي ساخطاً على من أكره - مستعداً في جنوني أن أطعنه بمُدية . وحيداً في موهن الليل ، في باحتي الخلفية - وقد غادرتني أفكاري منذ أمد مديد مطوّفاً في تلال جوديا العتيقة ، والاله الرحيم الى جانبي مسرعاً عبر الفضاء ، مسرعاً عبر السماء والنجوم مسرعاً وسط التوابع السبعة ، والدائرة الوسيعة - ونصف قطرٍ من ثمانين ألف ميل ، مسرعاً مع المذنّبات ، أقذف كراتٍ ناريةٍْ حاملاً الهلال الطفل الذي يحمل أمه المطتملة في أحشائه عاصفاً/ متمتماً/ مخطّطاً/ عاشقاً/ حذراً مفرِغاً/ مالئاً/ ظاهراً/ مستسِراً انني أرود - كل نهار وكل ليل - دروباً كهذه . إنني أزور بساتين الأجواء ، وأنظر الى النتيج انظر الى مئات ملايين وهو تنضج . وإلي مئات ملايين وهو تخضرّ أحلّق تحليقات الروح المرهفة السيالة وسبيلي يمتد تحت ارنانات رصاصة الشاقول آخذُ المادي ، وغير المادي لاأحد يوقفني . أنا لا أرسي سفينتي إلا لينطلق سُعاتي مبحرين بعيداً … أو آتين لي بالغنائم أمضي لأصطاد حيوانات الفراء القطبية ، والفقمة أثب متحدّياً الى أعلى الصاري متعلّقاً بالهشيم والسّماء وأرقى … واتّخذ مكاني ، الى آخر الليل ، في عشب الغراب نحن نبحر في البحر القطبي ثمة ضوء عميم … وعبر الفضاء الشامل ، أتمدّد محدّقاً في الجمال المدهش كتل الثلج الهائلة تجتازني ، وأجتازها والمشهد صافٍ أنّي نظرت الجبال ذات القنن البيض تبدو في البعيد … إنني أتشوّف اليها … نحن نقترب من ميدان معركة سنخوضها قريباً نحن نمر بمواقع المخيم المتقدمة … نمر حذرين ، خفاف الخطى أو ندخل ضواحي مدينة واسعة مهدّمة حيث الكتل المتساقطة ، والأبنية المنهارة ، أعظم من كل مدن العالم الحية . إنني رفيقٌ حرٌ أخيّم محبلاً أضواء الحراسة أطرد العريس من مضجعه ، وأظل مع العروس وأضمها قوياً ، طوال الليل ، الى فخذي وشفتيّ صوتي هو صوت العروس ، والصرير على حاجز السلّم إنهم يلتقطون جسدي الفحل ، وهو يقطر غريقاً . إنني أفهم قلوب الأبطال الكبيرة وشجاعة الحاضر و كل الأزمنة كيف رأى الربان حطام الباخرة المزدحمة والموت يطاردها في العاصفة وكيف اندفع مستميتاً دون أن يتراجع ولو فليلاً وكيف كان وفياً للأيام ، وفياً لليالي وكيف كتب بالطباشير حروفاً كبيرة على السفينة : « اصبروا ، لن نترككم » . كيف تتبّعهم ، ثلاثة أيام ، دون أن يكلّ وكيف أنقذ الغرقى أخيراً . وكيف كان مرأى النسوة الهتيكات الأثوات - حين نُقلن بالزورق من قبورهم المهيّأة ، وكيف كان الأطفال الصامتون ذوو الوجوه الشائخة كيف كان المرضى المنقولون والرجال ذوو الألسنة السليطة ، واللحى غير الحليقة كل هذا أبتلعهُ ، إن له طعماً لذيذاً ، إنه يصبح لي … أنا هوالانسان : لقد تعذّبت لقد كنت هناك . هدوء الشهداء ، ولامبالاتهم الأم المحكوم عليها بدعوى السحر - والتي أُحرقت بالخشب اليابس ، وأطفالها ينظرون اليها والعبد الذي تطارده الكلاب - ينحني على السياج ، متدافع النفاس ، مغموراً بالعرق والأشواك تخز ساقيه وعنقه كالابر … وأزيز الاطلاقات … كل هذا أشعر به ، إنه أنا إني أنا العبد المُطارد الذي يختلجُ ألماً من عضِ الكلاب الجحيم واليأس يسيطران عليّ … ويندفع خلفي رصاص القنّاصة ، متكرراً انني أتشبث بالسياج وأضلاعي الجريحة ، تنزّهزيلةً انني أسقط على القصب والحجر والفرسان يستحثون جيادهم ، ويتصاحون مقتربين أذناي الدائختان تسمعان شتائمهم - وهم يسوطونني بعنف على رأسي . انني أمر بالعذاب ، كما أغيّر ملابسي أنالاأسأل الجريح عن جرحه ، فأنا هو الجريح وقلبي يزرقّ ، وأنا أعتمد على عصاي ، وأراقب . أنا رجل الاطفاء المهشّم ، ذو الصدر المهشم الدفين تحت الجدران الهاوية أحسُ بالوقد والدخان وأسمع صيحات رفاقي الهادرة أسمع وقع فؤوسهم البعيد لقد أزالوا الأعمدة ، وهم يرفعونني بلطف هكذا أتمدّد في الهواء الليلي والقميص الأحمر والصمتُ المخيمُ ، لي هكذا أتمدّد أخيراً ، متبعاً . دون ألم ، ودون لاسعادة الوجوه حولي بيٌضٌ جميلة والرؤوس بلا خوذ الحريق والجمع الراكع يشحب على ضوء المشاعل البعيدون والموتى ، يُبعثون إنهم يبدون كدائرة الساعة ، أو يتحرّكون كعقاربها وأنا الساعة نفسها . وأنا المدفعي القديم ، أحدّثكم عن قصف قلعتي انني هناك ثانيةً ثانيةً ، صوت الطبول ثانيةً ، هجمة المدافع ثانيةً ، ردٌ المدافع في أذنيّ المنصتّتين . إنني أشارك أرى الكل وأسمع الكل الصرخات ، واللعنات ، والهدير ، وهتف القذائف السديدة ونقالة الاسعاف تمر بطيئةً ، وهو تنزّ قَطْرَها الأحمر والعمال يبحثون عما هدمه القصف ، ليعيدوا بناءه وتساقط القنابل خللّ السقف الممزق والانفجار الذي يشبه المروحة وتطايرُ الأطراف والرؤوس والصخر والخشب والحديد ، في الهواء ثانيةً … حشرجات الجنرال المحتضر ، وتلويحة يده الفاضبة ها هو ذا يحشرج في دمه المتخثر : لاتهتمّ بي … اهتمّ ، بالتحصينات .
الزمان والمكان! الآن أرى أنني كنت محقاً حيال ما ظننتهُ، ما ظننته وأنا أتسكع فوق العشب، ما ظننته وأنا أستلقي على فراشي، ما ظننته وأنا أتمشى على الشاطئ تحت النجوم المتلاشية للصباح. أغلالي وأثقالي تغادرُني، وكوعاي تستقران في التجاويف البحرية، أقطع الجبالَ الشاهقة، راحتاي تغطّيان القارات، مع رؤياي أسيرُ حافي القدمين. عند البيوت المربّعة للمدينة- في الأكواخ الخشبية، أعسكرُ مع الحطّابين، بمحاذاة الطرق الوعرة، قرب المسيلات الجافّة وأحواض السواقي، أعزقُ حقلَ البصل أو أشذّبُ صفوف الجَزَر الأبيض والأحمر، أقطعُ السهوبَ، أتوغّلُ في الغابات، أستشرفُ، ثمّ أحفرُ باحثاً عن الذهب، أحزمُ صفقةً جديدةً من الشجر المقطوع، أدمي كاحليّ متوغلاً في الرمال الملتهبة، أجدّف زورقي في النهر الضحل، حيث الفهدُ يروح ويجيء فوق غصنٍ في الأعلى، حيث الظبيُ يلتفتُ إلى الصياد مستشيطاً غضباً، حيث الأفعى ذات الأجراس تشمّسُ جلدَها المترهّل فوق صخرة، حيث ثعلب الماء يلتهمُ السمك، حيث التمساح، بحراشفه القاسية، ينام قرب الساقية، حيث الدبّ الأسود يبحث عن الجذور أو العسل، حيث القندس يطوّح في الطين بذيله الذي يشبه المجداف؛ فوق قصب السكر النامي، فوق مزرعة القطن ذات البراعم الصفراء، فوق الأرز في حقوله الواطئة الرطبة، فوق البيت الريفي، بسقفهِ المستدقّ، وطميه الناتئ، والطحالب النحيلة المتدلية من ميازييه، فوق شجر البرسيمون الأصفر في الغرب، فوق نباتات الذرة ذات الأوراق الطويلة، فوق الكتان ذي الزهور الزرقاء الرقيقة، فوق الحنطة البيضاء والسمراء، مدندنةً ومصفّرةً مع البقية، فوق الأخضر الغامق للجاودار حيث يتمايلُ ويستظلّ في النسيم؛ صاعداً الجبال، متسلقاً بحذر إلى الأعلى، متشبثاً بفروعٍ واهنة خفيضة، أقطع الممرّ المحفور في العشب، شاقاً طريقي عبر وريقات الدغل، حيث طائر السمّان يصفر بين الغابات وحقول القمح، حيث الخفّاش يطير عشيةَ الشهر السابع، حيث الجندبُ الذهبي العملاق يطير مخترقاً العتمة، حيث الساقية تفيضُ فوق جذور الشجرة العتيقة في طريقها إلى المروج، حيث القطيع يتوقّفُ ويطردُ الذباب بالرجفةِ المرتعشةِ لجلده السرّي، حيث أكياس الجبن تتدلى في المطبخ، حيث ملاقط الحطب تباعدُ ألواحَ الموقد، حيث بيوت العنكبوت تتدلى شرائطَ من السقوف؛ حيث المطارق العملاقة تهوي، حيث مسننّات المطابع تعملُ، وحيث يخفق القلب الإنساني بمواجع فظيعة بين الضلوع، حيث المنطاد الشبيه بثمرة الأجاص يسبح طافياً في الفضاء (وأنا أطفو فيه ناظراً بتناغمٍ إلى الأسفل) حيث عربة الإنقاذ تُجرّ فوق أحبولتِها، حيث الحرارةُ تفقّسُ بيوضاً خضراء شاحبة في الرمل المجوّف، حيث أنثى الحوت تسبحُ مع وليدها ولا تفارقه أبداً، حيث السفينة البخارية تتركُ خلفها راية طويلة من الدخان، حيث زعنفة سمكة القرش تشقّ الماء مثل شظية سوداء، حيث السفينة الشراعية، نصف المحترقة، تعتلي أمواجاً مجهولة، حيث القواقع تُقذف إلى دكتها الرشيقة، حيث الموتى يتفسّخون في الأسفل؛ حيث الراية المدروزة بالنجوم تُرفَع فوق طليعة الكتائب الزاحفة، أقتربُ من مانهاتن، عابراً الجزيرة الواسعة الامتداد، تحت نياغارا، يسقط الشلالُ مثل وشاحٍ على محياي، عند عتبة بيت، قرب مربط فرس من الخشب القاسي، خلف خط السباق، مستمتعاً بالنزهات، أو الرقص، أو لعبة بيسبول جميلة، في الاحتفالات الذكورية، وسط القذع والشتم، وإباحيات اللسان، والرقص الصاخب، والشراب والضحك، عند معصرة الفواكه، أتذوّقُ حلاوةَ اللبّ الأسمر، ماصّاً العصيرَ بقشّة طويلة، وفي موسم تقشيرِ التفاحِ أتشوّقُ للمزيد من القبلات لقاءَ كل الفواكه الحمراء التي تقع تحت يدي، خلال التجمهرات وحفلات الشاطئ، وسهرات السمر، وطقوس تقشير الذرة، أو تشييد كوخ؛ حيث الطائرُ المغناج يطلق غمغماته العذبة، يهذرُ، يبكي، ويصرخُ، حيث أكداس التبن ترتفع في باحة المخزن، حيث القش يتناثر في كل مكان، حيث البقرة المهجّنة تنتظرُ في الزريبة، حيث الثور يتوجّه إلى عمله الذكوري، والجوادُ إلى فرسه، والديكُ يتبعُ في إثر الدجاجة؛ حيث البقرات الصغيرات ترعى، والبطّ يختلسُ طعامَه برجفات قصيرة، حيث ظلال الغروب تطول وتمتدّ فوق السهوب الشاسعة الموحشة، حيث قطعان الجاموس الوحشي تبتكرُ انتشاراً زاحفاً فوق الأميال المربعة، البعيدة والقريبة، حيث الطائر المرنان يومضُ، حيث عنق البجعة المعمّرة ينحني ويلتفّ، حيث النورس الضاحك يتزلّج على الشطّ، ويضحكُ ضحكتَه شبه البشرية، حيث خلايا النحل تصطفّ على مصطبة رمادية في الحديقة، نصفَ غائرةٍ بين الأعشاب الطويلة، حيث الحمام المطوّق الأعناق يقف داخل حلقة على الأرض، مرفوعَ الرؤوس، حيث عربات الدفن تدخل البوابات المقنطرة للمقبرة، حيث ذئاب الشتاء تعوي وسط عراء من الثلج والأشجار المتجمّدة، حيث طائر البلشون، بقلنسوته الصفراء، يتقدّمُ إلى حافّة السبخة في الليل ويصطاد السلاطعين الصغيرة، حيث الرذاذ المتطاير للسبّاحين والغطّاسين يبرّدُ قيظَ الظهيرةِ، حيث أنثى الجندب تشذّبُ قصبَتها الملوّنة فوق شجرة الجوز عند البئر، عبر سفوح من الكبّاد والخيار ذات الأوراق الفضية كالأسلاك، عبر النبع الملحي أو فسحة البرتقال، أو تحت شجر التنّوب المخروطي، عبر نادي الجمبّاز، عبر الصالون المسدل الستائر، عبر المكتب أو القاعة العمومية، يسعدني الغريبُ مثلما يسعدني القريبُ يسعدني الجديدُ مثلما يسعدني القديمُ، تسعدني المرأةُ القبيحةُ مثلما تسعدني المرأةُ الجميلة، تسعدني المرأةُ الودودة وهي تنزع قبّعتها وتبدأ بحديثٍ مموسقٍ، تسعدني نبرةُ المنشدين في الكنيسة الناصعة البياض، تسعدني الكلماتُ الجادّة للواعظ الميثودستي المتصبب عرقاً، المغتبط كلّياً أمام اجتماع الحشد؛ أنقّل بصري فوق واجهات الدكّاكين في شارع برودوي طيلة فترة ما قبل الظهر، ضاغطاً لحمَ أنفي فوق الزجاج المسطّح السّميك، متسكعاً، طيلة ما بعد الظهر، ملتفتاً بوجهي إلى الغيوم، نازلاً في الحي، أو متنزهاً على الشاطئ، يدي اليمنى تحيطُ بخصر صديقٍ على يميني، واليسرى تحيطُ بخصر صديقٍ آخر على يساري، وأنا أتوسّط كليهما؛ أقفلُ راجعاً إلى بيتي مع صبي الدّغل الصامت، الداكن الوجنتين، (يركبُ خلفي عائداً قبيل الغروب بقليل،) بعيداً عن القرى المأهولة، أخرجُ مقتفياً آثار حوافر الحيوانات أو آثار جزمة صّيد، وعلى طرفِ فراشٍ في مشفى أُقدّمُ عصيرَ الليمون إلى مريضٍ يحتضر، وقرب الجثّة، داخل تابوتها، في بهيم الصمت، أسهرُ على ضوء شمعة، مبحراً إلى كلّ ميناء، مغامراً، مساوماً، أندفعُ مع الحشد الفتي، متشوقاً كالجميع، طائشاً كالجميع، حانقاً على شخصٍ أكرهه، ومستعداً، في جنوني، لطعنه بسكّين، وحيداً في منتصف الليل في باحة منزلي الخلفية، حيث أفكاري التي غادرتني منذ وهلة قليلة، أجوبُ التلالَ العتيقةَ لجبال فلسطين، والإله الجميل اللطيف إلى جانبي، أنطلق عبر الفضاء، أنطلق عبر السماء والنجوم، أنطلق عبر الأقمار السبعة، والمجرة الشاسعة، وعبر قطر من ثمانين ألف ميل، أنطلق مع النيازك المذنّبة، قاذفاً كرات اللهب كغيري، حاملاً الهلال الطفل الذي يحمل أمه المكتملة في بطنه، عاصفاً، مستمتعاً، مخططاً، عاشقاً، محذراً، مفرغاً- مالئاً، ظاهراً -مختفياً، أقطعُ تلك الدروب ليلَ نهار. أزور بساتين الأفلاك وأتفحّص الثمارَ، وأنظرُ إلى ملايين الملايين التي نضجت وأنظر إلى ملايين الملايين التي ما تزال خضراء. أحلّقُ وأطيرُ بروحٍ سابحةٍ جذّابة مساري يمرّ تحت إيقاع ثقلِ الشّواقيل. أدعو نفسي وأعانقُ الماديّ واللاماديّ، لا حارس يمكن أن يمنعني، لا قانون. أُرسي سفينتي لبعضِ الوقت فحسب، ها هم رُسُلي يطوّفون باستمرار، أو يحضرون لي ودائعَهم. أذهبُ لأصطادَ الفرو القطبي وحيوانَ الفقمة، أقفزُ فوق الصّدوع، بعصاً مدببة الرأس، متمسكاً بنوازل جليدية، زرقاء وهشّة. أعتلي مقدمةَ المركب، متخذاً مكاني في آخر الليل بالقرب من عشّ الغراب، أعلى الصارية، ونبحرُ قاطعين البحر القطبي، يحيطُ بنا نهارٌ فائضٌ، وفي الصّحو النضر أتمدّد وأنبسطُ فوق الجمال الرائع، كتلُ الجليد الهائلة تمرّ بي وأنا أمرّ بها، والمشهدُ صافٍ في كل الاتجاهات، الجبال المكللة بالثلوج تظهر من بعيد، أطلقُ سراح مخيلتي باتجاهها، إننا نقترب من ميدان معركة هائل وسرعان ما سنشتبكُ معهم، نعبر نقاط المراقبة الشاهقة للمعسكر، نعبر بأقدامٍ حذرة خافتة، أو نلجُ، عبر الضواحي، مدينةً شاسعةً مهدّمة، أحياؤها وعماراتها المتهاوية تفوقُ أي مدينة حيّة أخرى في المعمورة. أنا رفيقٌ حرّ، أبيتُ مؤقتاً بالقرب من نيران الحراسة الغازية، أطردُ العريسَ من فراشه وأمكثُ مع العروس، وطوال الليل أضمّها بقوة إلى فخذيّ وشفتيّ. صوتي صوتُ الزوجةِ، حيث الصرير على درابزين الدرج- إنهم يحضرون جثةَ زوجي، غريقاً، مبللاً. أفهم القلوبَ الكبيرة للأبطال، أفهم شجاعةَ الزمن الراهن وكل الأزمنة، وكيف رأى الربّانُ الحطامَ المزدحم والمبعثر للسفينة البخارية، والموتُ يطاردها في العاصفة، كيف تشبّث بكل قوة، ولم يتراجع قيد أنملة، مخلصاً لليالي ومخلصاً للنهارات، راسماً بأحرف كبيرة على لوح خشبي: لتكن معنوياتكم عالية، سوف لن نتخلى عنكم؛ كيف تبعهم وظل ماكثاً معهم لثلاثة ليال بحالها رافضاً أن يتخلى عنهم، كيف أنقذَ، في آخر المطاف، صحبَهُ الغرقى، كيف بدت النسوةُ اللابسات فساتين مهتّكة، وهنّ يُنقَلن بالقوارب من قبورهنّ المهيأة، كيف بدا الصغار الصامتون، بوجوههم الشائخة، والمرضى المحمولون، والرجال بشفاههم المنتفخة وذقونهم غير الحليقة؛ أبتلع كل ذلك، ومذاقه طيّب، أنا أحبه، إنه يصبحُ لي، أنا هو الربّان، أنا الذي تألمتُ، أنا الذي كنتُ هناك. يا لهدوءِ وترفّعِ الشهداء! الأمّ، في الزمن الغابر، تُحَاكَم كساحرة، وتُضرَمُ فيها نيران الحطب الجافّ، فيما أطفالها يحدّقون، العبدُ المطارَدُ، منهوك القوى، يتكئ على السياج، يلهثُ، يتصبب عرقاً، الأشواك تخزُ قدميه وعنقه كالإبر، الخردقُ القاتل وأزيزُ الرصاص، أشعرُ كلّ هذا، أو كلّ هذا أنا. أنا العبدُ المطارَدُ، أرمشُ عند كل عضّة كلبٍ، الجحيمُ واليأس يهبطان على رأسي، والرماةُ يصوّبون ويطلقون مرةً بعد أخرى، أتمسّكُ بحديد السياج، دمي يسيلُ، ويصيرُ أرقّ بسبب نزيف جلدي، أسقطُ على العشب والأحجار، الفرسان ينهرون خيولهم المتردّدة، يقتربون مني أكثر فأكثر، يصمّون آذاني الدائخة بسبابهم، ويشبعوني ضرباً مبرّحاً على رأسي بهراواتهم. الآلامُ هي إحدى طرائقي في تغيير أثوابي، إني لا أسالُ الجريحَ كيف يشعرُ، أنا نفسي أصبحُ الشخصَ الجريح، مواجعي تزرقّ فيما أنا أتكئ على عصاي وأراقبُ. أنا رجل الإطفاء المهشّم، في صدري ضلعٌ مكسور، الحيطانُ المتهاوية دفنتني في حطامها، أستنشقُ الحرارةَ والدخانَ، وأسمعُ صيحات رفاقي تناديني، أسمعُ الصريرَ البعيدَ لفؤوسهم ومعاولهم، هاهم يزيحون العوارضَ جانباً وبلطفٍ يخرجونني. أستلقي في هواء الليل، مرتدياً قميصي الأحمر، هذا السكونُ المخيّمُ من أجلي، بلا ألمٍ أستلقي، منهكاً، ولكن ليس بلا سعادة، بيضاء وجميلة تلك الوجوه حولي، الرؤوس نزعت قبعات الحريق، الحشد الرّاكع ينفضّ ويغيبُ مع ضوء المشاعل. بعيدون وموتى يُبعثون، إنهم يظهرون كقرص الساعة، أو يتحرّكون كعقاربَ لي، وأنا نفسي السّاعة. أنا القنّاص القديم خلف مدفعي، أحكي عن قصفِ حصني، إنني هناك من جديد. من جديد، أسمعُ القرعَ الطّويل للطبول، من جديد، المدفع المهاجم، وقذائف الهاون، من جديد، يتردّد صدى المدفع إلى أذني المنصتتين. أشاركُ- أرى وأسمعُ كل شيء، الصيحات، اللعنات، الهدير، المصفقين للرصاص الذي أصاب أهدافه، نقالة الإسعاف التي تمرّ بطيئةً وتتركُ خلفها خيطاً من الدم، العمّال وهم يتفقّدون مواطن العطب، ويجرون إصلاحات لا غنى عنها، سقوط القنابل عبر السقف المتصدّع، الانفجار ذو الشكل المروحي، أزيزُ الأعضاء لمتطايرة والرؤوس والحجارة والخشب والحديد عالياً في الهواء. من جديد، يغمغم فمُ جنرالي المحتضر، إنه يلوّح بيده محموماً، ويتلفّظ عبر دمه المتخثّر: لا تهتمَ لشأني- اهتمّ- بالتحصينات.
Song of Myself, Section 33 —poem read by Nadia Fayidh
خاتمة
في جزيرة برودنس في خليج ناراغانست. و بعد اسابيع من المطر خرجت الشمس و قريبي يقودني خلال الغابات على طول جدار صخري و الذي بني تقريبا في اربع قرون من قبل جدنا الاول في العالم الجديد، روجر ويليامز. كان هذا الرجل من رجال الدين الذي بحثهم عن حرية الضمير قد حولت امريكا: تم نفيه من مستعمرة خليج ماساشوستس و ذلك بسبب رأيه بأن الحكومة يجب ان تنفصل عن الدين، فقد قضى الشتاء في 1636 في البرية و بعدها استقر في اصغر ولاية في البلاد رود ايلاند من اجل القيام بتجربة العيش بحرية و تبعا لمل يقتضي الضمير الفردي والذي يتضمن جعل العبودية غير قانونية و استقبال الناس من مختلف الاديان و التخاطب مع الأمريكيين الاصليين (الهنود الحمر) بلغتهم الخاصة. في رحلة بحرية الى لندن من اجل الحصول على براءة اختراع على هذه الارض كتب في كتابه: عين على لغة امريكا مجموعة من العادات و الكلمات و العبارات الامريكية و التي تفترض ان السكان الاصليين للأرض كانوا مساوين للمستعمرين. وكان ويليامز موهوب في تعلم اللغات و عرف ان أي تبادل حقيقي يجب ان يبدأ بالاستماع. و هكذا استمع لجيرانه الذين لديهم نظام اجتماعي مميز و معرفة جيدة بالعالم المحيط وهو يقدم نموذج مميز عن العلاقات بين الناس و الاماكن و الاشياء—النموذج الذي يظهر مرة اخرى لكن بشكل مختلف في "اغنية نفسي". كنت احمل نسخة جيب عن "اوراق العشب" و حيث كنت اتبع قريبي خلال الاشجار الساقطة حيث الرمال تغطي الجدران خطر على بالي بأني احمل مفتاحا اخر للغة امريكا. و في مجموعة كبيرة من الصور الشعرية، و الاصوات المستعرضة في المقطع الثالث و الثلاثين، و هو الاطول في القصيدة، فأن ويتمان يحتفل بالثروة الحقيقية للأرض الذي فيها كل شيء يحتسب. "انا اسير برؤياي" . وما يستوعبه، "حيث القلب البشري يخفق خفقاته العنيفة بين الضلوع"، دليل عن التنوع في العالم—النمور و الافاعي، الذرة و المتزوجون حديثا و الجبال المغطاة بالثلوج و حطام السفن و المدفعيات القديمة و الجنرال المحتضر. ان رؤية ما هو مرئي من خلال المرئي هو اساس الايمان و الذي يراه ويتمان ما كان ليزدهر مع تدخل الحكومة (ومن هنا جاء النظام السياسي الذي شكله و الذي يستند على التمييز ما هو لقيصر و ما هو للرب). من الاساسي بالنسبة لويتمان هو تعظيم كل شيء—محلي و اجنبي قديم و جديد. فلقد اعلن "اخذ الجزء و ارى و اسمع الكل"—وهو نظام حضاري لا يزال يتشكل، و قد يكون اجدادي رأوه في البرية في العالم الجديد. قريبي ينظر لي الان وهو فرح.
—CM
سؤال
في هذا المقطع يسجل لنا ويتمان هروب المسافرين و طاقم سفينة محطمة في 1853 و الذي حصل على ساحل نيويورك عندما العاصفة حطمت السفينة و اعتقد بان الجميع مات. يصف ويتمان الرعب الذي عاشه الناجون و بعدها يقول :"كل هذا ابتلعه، ان له طعما لذيذا، انه يصبح لي... \ انا هو الانسان: لقد تعذبت، لقد كنت هناك". و يقول الشاعر المعاصر جيمز رأيت بان الشطر الاخير من انبل الابيات الشعرية المكتوبة". هل تتفق معه؟ هل ان البيت هذا هو تعبير عن قدرة الشاعر على التأكيد على معاناة الاخرين؟ ام ان السرعة و السهولة التي يستوعب بها الشاعر المعاناة تكشف عشوائية التعاطف و تسمح للشاعر من الانتقال والتوجه لخبرات اخرى؟