توطئة
مقدمة المقطع السابع:
يبتدأ المقطع السابع بأحد اهم التصريحات التي يعطيها والت ويتمان: اذا كنت تعتقد بانك "سعيد الحظ" لأنك ولدت؟ فأذن انت سعيد الحظ لأنك ستموت وانا العارف السبب". السؤال الان: كيف يعرف بأنه من الحظ الجيد ان نموت؟ في هذه المرحلة من القصيدة، استطاع ويتمان اقناعنا بأن تلك الذرات التي تنتمي لنا، و التي تكون ما هيتنا، هي لم تبتدأ معنا اصلا لكن في الحقيقة كانت تدور في الكون من بداية الدهر و سوف تستمر حتى نهاية الزمان. فنحن كما يقول في القصيدة "بقايا العديد من الاموات"، كما اننا بذورا للعديد من المواليد. فكل واحد منا هو بالأحرى مادة "ميتة" لذرات الحيوات السابقة التي تم تدويرها لإنتاجنا. وخلال تقدمنا في الحياة، فأننا لن نسجن بين قبعاتنا و احذيتنا؛ نحن جماعات من الذرات المتحركة و الدائمة التنقل جسديا و مجموعة من الادراكات العقلية ايضا دائمة التحرك و التغير. وعندما نستخدم الاشياء الموجودة حولنا، الصور و الاصوات التي تستوعبها حواسنا، نصبح الشخص الذي يتغير باستمرار ، "خالدا و لا يسبر له غوار". يؤكد والت ويتمان بأنه ليس هناك من نهاية للحياة المستمرة التي تنتج اجسادنا الجديدة--عيوننا و اذاننا الجديدات--التي ستظل تستوعب كتل المؤثرات الحسية حولنا. وكيف لنا ان نصل الى اعماق طبيعة الخبرات الحياتية التي تجلبها لنا حواسنا يوميا في كل لحظة نعيشها؟
حتى عندما يعطي تصريحا يبدو متحيزا ("كل نوع، على نوع يقع") مثل هذه العبارة تعطي الاحساس بوجود حب متحيز و هوائي الاختيار. فقبل كل شيء هناك السؤال ما هو النوع الذي ينتمي اليه الفرد؟ بالنسبة للشاعر ويتمان، نوعه الذي ينتمي اليه هو "الذكر و الانثى"، "الاطفال و منجبو الاطفال"، لان الجميع مطلوبون من اجل ان تستمر الحياة التي نحن جزئها الخالد، الحياة التي عشناها نحن من عاش الحياة الحالية مثلما اولئك الذين قد عاشوها في حياة سابقة وسوف يعيشها اهل المستقبل. عندها يطلق ويتمان اول اوامره: "اهتكوا الاستار!" وكأنما اصبح رجلا خارقا لديه رؤية اشعاعية خارقة، يخبرنا الشاعر بأنه يستطيع ان يرى من خلال كل ما يغطي اجسادنا. قبل كل شيء، فأن اعظم شيء في الديمقراطية هو اننا نعرف بأننا جميعا لدينا اجسادا؛ نختبر و نستجيب للعالم من خلال اجسادنا. ابصارنا و مسامعنا و السنتنا و حتى اطراف اصابعنا، جميعها تواقة للإثارة الحسية. ينظر الينا ويتمان، وبما انه يمتلك جسد ايضا، فأنه يرانا و يعرف ما هو احساسنا بأجسادنا. في هذه المرحلة، القصيدة تصل الى اعماقنا و تمسك بنا و تطالب بنا و "لا يمكن ان ابعادها".
—EF
هل ظنَّ امروٌ أنه سعيد الحظّ بأنْ وُلد ؟ أسارعٌ ، فأقول له ، أو ، لها إنه لسعيد الحظ كذلك ، بأن يموت وأنا العارف السبب إنني أدع الموت للموتي والولادةَ ، للطفل المغسول جيداً فأنا لست مقتسَماً ين قبّعتي وجزمتي. انني أسعى من أجل غايات عديدة لاتُماثل واحدتُها الأخرى ... وكلها طيبة الأرض طيبة ، والنجوم طيبة ، وتوابعها طيبة كلها وأنا لست أرضاً ، أو تابع أرض أنا عشير الناس ورفيقهم وكلهم عادل ، وخالد ، وبعيد الغور ، مثلي (إنهم لايعرفون كم هم خالدون ، لكنني أعرف) كل نوع ، على نوع يقع أما أنا ، فلي الذكر والأنثى لي أولئك الذين كانوا أولاداً ، وأولئك الذين يحبّون النساء لي الرجال ذو الكبرياء ، الذي يحس بوخزة الاهانة لي الحبيبة والعانس لي الأمهات ، وأمهات الأمهات لي الشفاه التي ابتسمت ، والعيون التي دمعت لي الأطفال ، ومنجبو الأطفال. اهتكوا الأستار! انكم لم تذنبوا بحقي ، لست أكرهكم ، ولاأرفضكم إنني أبصر من وراء الأستار... منتبهاً ، مستفسراً قوياً ، لايهزّني شيء.
هل حسبَ أحدٌ أنه من حسن الطالع أن يولد؟ أسارعُ و أخبره أنه من حسن الطالع أيضاً أن يموت، وأنا أعرف ذلك. أعبرُ الموتَ مع الموتى، والولادةَ مع الرضّع، وأنا لستُ محتوىً بين قبّعتي وحذائي، أتملّى الكثرةَ من الأشياء، وليس بينها اثنان متشابهان، فالكلّ صالح، الأرضُ صالحة، والنجوم صالحة، وكل ما يدور حولها صالحٌ. أنا لستُ أرضاً ولستُ نيزكاً تابعاً للأرض. أنا الصديقُ والصاحبُ للبشر، والكلّ خالدٌ وعميقٌ ولا يمكن سبر غوره مثل نفسي، (هؤلاء لا يعلمون كم هم خالدون، لكنني أعلم.) كل نوعٍ من أجل ذاته ولذاته، أما أنا، فمن أجلي الأنثى والذكَر، ومن أجلي، أولئك الصبيان الذين يحبون البنات، ومن أجلي، ذلك الرجل الفخور الذي يشعر بالعار إذا أُقصيَ أحدٌ ما، من أجلي الحبيبة والمتصابية العجوز، ومن أجلي الأمهات وأمهات الأمهات، من أجلي الشفاه التي ابتسمت، والعيون التي ذرفت دموعاً، ومن أجلي الأطفال ومنجبي الأطفال. أتخلعُ ثوبكَ! لستَ مذنباً بحقي، ولستَ مُهمَلاً أو معزولاً، أرى من خلال الثوب والنسيج القطني وأقرّر إن كان ذلك صحيحاً أم لا، وأنا هنا، عنيدٌ، اكتسابيّ، لا أعرفُ التعبَ، ولا يمكن زحزحتي.
Song of Myself, Section 7 —poem read by Nadia Fayidh
خاتمة
التعليق النقدي:
ان اتصال صفة "الخلود" و "لا يسبر غوره" في المقطع السابع من القصيدة يعطي تحولا مهما في "اغنية نفسي" : ويتمان الرائي يصرح بحدود معرفته، و التي يحددها بأعماق الروح الفردية. فهو يعرف ما لا يمكن قياسه—اسرار الحياة و تلك القوى الخفية التي تقود الانسان من ان يسلك طريقا دون اخر و مثيرات الرغبة و مطالب المجتمع و استجابات اللاوعي و التيارات غير المتوقعة و الغرائز و الافكار و مقدمات ماذا؟ من المستحيل ان وضع خريطة لجميع هذه الامور التي ترجع منذ القدم في اسبابها للإله، و مع ذلك يقوم الشاعر بتسجيل الاصوات التي تمتم في الظلام و يتكهن ما تم تركه في لحظات الاعتراف، و يقدم لنا ترانيما للأحياء و الاموات. في شريعة ويتمان الديمقراطية الجميع معترف به و محتوى و ايضا معفي.
ومن هنا تأتي المستويات المختلفة للمفردات و اصطلاحات النغمات التي تنسجم احداها مع الاخرى لتشكل مقطوعة موسيقية تندمج فيها العديد من اللغات: "كل نوع على نوع يقع". وبعدها ينتقل بنعومة في البيت الثاني من العبارة الرسمية "اسارع فأقول" لتصبح باللغة الدارجة "انه لسعيد الحظ"، المتحدث المنمق بكلامه يفسح المجال ليعطي حكمة الشوارع و السنين الماضية. "اهتكوا الاستار" هكذا هو امره "انكم لم تذنبوا بحقي". فهو يرى الجميع و يسامح الجميع سواء كان "عشير الناس و رفيقهم"، ذكرا او انثى، اخا و اختا، عاشقا او اما، "و امهات الامهات" ، حتى اولئك الذين احتقروه (من الواضح ان هناك اشارة للحظة حقيقية في حياته). قد لا يعرف ما يوجد في قلب الاخرين لكنه سوف يؤمن به.
—CM
سؤال
سؤال عن المقطع السابع:
عندما يقول ويتمان بأنه "يبصر من وراء الاستار—منتبها ، مستفسرا، قويا لا يهزني شيء" يبدو كما لو كان كائنا طفيليا لا يتركنا لشؤننا الخاصة. و عندما يخبرنا بأنه يستطيع "يبصر من وراء" الاستار فأنه يبدو لنا هنا عالما بالغيب. لماذا يصور ويتمان نفسه لنا بهذه الطريقة؟ وكيف تستجيب لقصيدة تعطي مثل هذه الاوصاف لشاعرها؟