توطئة
ان المساعدة التي يعد الشاعر بمنحها لا تشمل فقط العاجز و الضعيف، لكن ايضا للقوي و المستقيم و جزء من المساعدة التي يقدمها للبشر هو فهم لدور الاديان خلال الاف الاعوام من التاريخ الانساني. في هذا المقطع، يقدم ويتمان استعراضا للأديان العالمية، ليحتضنهم جميعا حتى لو انه يرفض ان يكون أي واحدة منها الجواب النهائي للبحث الروحي الانساني. كل من هذه الاديان—من عبادة اليهود ليهوا الى عبادة المسلمين لله، و من عبادة الاغريق لزيوس الى عبادة المصريين لاوزيريس ، من براهما الى بوذا—جميعها لا تكشف قوة و لغز الحياة التي امامنا في كل لحظة من حياتنا. فهذه الاديان القديمة لا تزال تباع للناس على انها وحي الهي، و لا تزال بعض الاديان مستمرة في وقتنا الحاضر بينما هناك من مات منها. لكن يدعي هنا الشاعر بأنه يقدم شيئا اكبر مما يقدمه "الشيوخ الحذرين"، و يعد هذا الشاعر بان يزايد عليهم جميعا. في النسخة الاصلية لسنة 1855 من "اغنية نفسي" وضع ويتمان بيتا في التفاته نادرة لحسن التصرف، قام بحذف ما بعد الحرب الاهلية: هذا البيت الاصلي ابعد جميع الاديان على الارض من خلال الاشارة الى القوة التكاثرية لسائله المنوي: "اكثر ما قدموا للإنسانية و الخلود هو اقل من روح سائلي المنوي". فقط الجسد الحي يولد المستقبل كما يؤكد لنا ويتمان: كل الوعود من جميع الاديان في تقديم الحياة بعد الموت تتصاغر امام السائل المنوي و البيوض في الاجساد البشرية الحية و التي هي الضمان الحقيقي لاستمرار الحياة بعد الموت، الوعد الحقيقي لتحقيق "الخلود".
وهكذا يقيس ويتمان و يهدف الى الالوهية يحاول طباعة و شراء مسودات جميع الهة التاريخ معترفا بأعمالهم في مختلف الفترات التاريخية، معتبرا إياهم الغذاء الرئيسي الذي سمح للإنسان على مدى قرون ان يطور فضوله حول الغاز الحياة و الكون. لكن الان يحاول الشاعر صياغة قوة الهية تستحق عصر الديمقراطية الجديد، الها نستطيع جميعنا اكتشافه و الاعتراف به في انفسنا و في جميع من نواجه. ان النفس الحية و الخلاقة و العاملة هي الاله الجديد و من ثم يتوجه ويتمان الى استعراض مختصر لليد العاملة و العامة محاولا التنعم بالغاز هذه المجتمعات: رجال الاطفاء الذين يطفئون النيران هم اشبه بالأبطال الأسطوريين؛ "شعره على ظاهر يدي" هي وحي بحد ذاتها ؛ عمال الحصاد في عملهم هم يحولون منتجات الارض الى غذاء للأحياء؛ حتى "السائق ذو الاسنان الطويلة" وهو يقوم بالمهمة المذلة وهي العناية بأحصنة ضيوف الفندق هو بالنسبة للشاعر يشبه السيد المسيح "يغفر خطايا الماضي و المستقبل" من خلال اداء وظيفته بكل بساطة. نحن لا نرث الخطايا كما يؤكد لنا ويتمان؛ جميعنا نبدأ الحياة من جديد و كل يوم يمر علينا يعطينا فرصة للخلاص لكل واحد منا.
توصينا العديد من الاديان العناية بالفقراء و الضعفاء و ايجاد معنى في الاشياء التي قد تظهر لنا غير مهمة، لكن ويتمان يحمل هذا المعنى اكثر من خلال ايجاد في "البعوضة" و الخنفساء" و "المزابل" ما يمكن ان نعجب اكثر مما نتخيل. فهو يرفض "الخارق" التي تحاول معظم الاديان ان تحول انتباهنا اليه و تركز طاقتنا فيه بدلا من العالم المادي الذي يحيط بنا (و يصبح نحن ونحن نصبح هو): كل شيء طبيعي في عالم ويتمان و مهما هناك من جنة او جحيم سيكون ما نخلقه على هذه الارض. و يختتم الشاعر، من خلال بحياته (كل ما قد تعلمه خلال سنوات الشباب) ان يصبح "خالقا" و ان ينتظر "الرحم المسترق للظلال" من اجل ذلك المستقبل المظلم الخصب الذي نقوم بخلقه نحن البشر بشكل مستمر يوما بعد اخر.
—EF
مقطع 41أنا من يعين المرضى ، الراقديد على ظهورهم لاهثين وأنا من يأتي للأقوياء بالعون الأكثر الحاحاً . لقد سمعت ماقيل عن الكون سمعته ، وسمعته ، منذ آلاف السنين : إن الكون جيدٌ ، مادام سائراً - لكن أهذا كل شيء ؟ في البداية أجيء مزايداً على المزايدين الشيوخ الحذرين متّخذاً لنفسي أبعاد يهوه نفسها وطبعةً من كرونوس ، وزيوس وبيلوس وبراهما وبوذا وفي محفظتي : مانيتو طليقاً ، والله على ورقة ، والصليت محفورا مع أودين ومكسيتلى ذي الوجه البشع ، وكل معبود ووثن معتبراً إياهم ، كما هم ، دون أن أمنحهم قيمة سَنتٍ أكثر معترفاً بأنهم قد عاشوا ، وأدوا أعمال أيامهم السالفات (لقد حملوا الغذاء الى الطيور الزُغب التي عليها الآن أن تنهض ، وتطير ، وتغرّد بنفسها). متقبّلاً التخطيطات الالهية الأولى ، لأملأ فراغها ، في نفسي ولأوزعها مجاناً ، على كل رجل وامرأة ممن أرى مكتشفاً الكثير من المصمم ، وهو يصمّم هيكل المنزل الخشبي مقدماً له مطامح جديدة ، وهو يعمل بمطر قته ومسحاجه ، كشيف الذراعين . إنني لاأعترض على الرؤى الخاصة - معتبراً حلقة دخان أو شعرةً على ظاهر يدي - أمراً غريباً كأي رؤيا . إن فتيان المطافئ ، مسلالم الحبال والكلاليب - ليسوا أقل شراً من آلهة الحروب القديمة مفكّراً بأصواتهم التي تخرم الخرائب وبأطرافهم التي تجتاز آمنةً ألواح السقف المتفتحة وبجباههم البيض - ناصعةً ، سالمةً ، خلل اللهيب . انني مع زوجة الميكانيكي التي ألتصق طفلها بحلمتها ، شفيعاً لكل وليد . ثلاثة مناجل - تنز صفاً واحداً من ثلاث زوايا - حيث القمصان تخفق من الخصور . والسائق ذو الأسنان الطويلة والشعر الأحمر يغفر خطايا الماضي والمستقبل ، يبيع كل مايملك ، مسافراً على قدميه ، ليدفع أجور المحامين عن شقيقه وليجلس الى جانبه حيث يُحاكم بدعوى التزوير . عليَّ أن أنثر كل ما يُنثر لكني لما أستطع أن أؤدي بعد ، ولو قدراً ضئيلاً . الثور والخنفساء لم ينالا بعد نصف عبادتهما والدمن والمزابل هي أكثر قابلية للحب ، مما كان يُحلم به . لاأتحدّث عن الخارق لكني أنتظر زمني لأكون أحد المتفوّقين وسوف يكون اليوم لي - حين أفعل الخير قدر ماأستطيع … فأكون خارقاً وحقِ حياتي ، انني الآن لخالقٌ أضع نفسي هنا : في الرحم المُسْترَق للظلال .
أنا هو من يعينُ المرضى المطروحين على ظهورهم، يلهثون، وأنا هو من يجلب للأقوياء المستقيمين عوناً أكبر من ذاك. سمعتُ ما قيل عن الكون، سمعتهُ وسمعتهُ، على مدى آلافٍ من السنين، كونٌ معتدلٌ في سريانه- ولكن أهذا هو كلّ شيء؟ مُعظِّماً ومادحاً أجيءُ، متجاوزاً في مهارتي، منذ البدء، شيوخَ البلاغة الحذرين، واهباً لنفسي أبعادَ الإله يهوه، متقمّصاً صورةَ كرونوس، وابنَه زيوس، وجدّهُ هرقل، مبتاعاً نسخاً من أزويريس، إزيس، بيلوس، براهما، وبوذا، وفي حقيبة أوراقي أضعُ مانيتو طليقاً، اللهَ على ورقة، ولوحةَ الصّلبِ. مع أودين، وصاحبة الوجه القبيح ميكسيتلي، مع كلّ وثَنٍ وصورة، مقيّماً هؤلاء جميعاً كما يستحقون، ولن أمنحهم قيمةَ سنتٍ واحد أكثر، (آلهةٌ تحمل النذرَ اليسيرَ لفراخ الطير التي يجب أن تنهضَ الآن وتطيرَ وتغرّدَ من أجل بعضها البعض.) أوافقُ على السيكتشات الإلهية، غير المكتملة، فقط من أجل أن أملأها بفيوضات ذاتي، وأغدقها، سخياً، على كل رجل وامرأة، مكتشفاً ما هو أكثر أو أعظم في بنّاءٍ يصممّ البيتَ، واضعاً له غايات أسمى، وهو يعملُ بملاطه وإزميله، مشّمرَ الساعدين. لن أشكك بأيّ إلهامٍ بعينه، معتبراً كلّ خاتم دخانٍ، أو شَعرةٍ على ظهر يدي، أمراً ملغِزاً كأيّ إلهام. فتيان سيارات الإطفاء، الممسكون بالحبال وكلاليب السلالم، ليسوا أقلّ أهميةً، في نظري، من آلهة الحروب القديمة، مصغياً لأصواتهم تشق طريقها عبر رُكام الهدم، أطرافهم، المفتولة العضلات، تثبُ آمنةً فوق السقوف المشروخة، جباههم تطلّ وضّاءةً، معافاةً، بين ألسنة اللهب. مع زوجة الميكانيكي، ورضيعها المتشبّث بحلمتها، شفيعاً لكلّ مولود. مع ثلاثة مناجل، أثناء الحصاد، تحشّ الزرعَ على نسق واحد، لثلاثة ملائكة شبقين، بقمصانهم الفائضة حول خصورهم. مع سائس الخيل، بأسنانه الناتئة وشعره الأحمر، مكفّراً عن ذنوبٍ مضت وأخرى قادمة، يبيعُ كل ما يملك، مرتحلاً على الأقدام، ليدفعَ أجور المحامين عن أخيه، وليجلسَ إلى جانبه فيما الأخير يُحاكم بتهمة التزوير. ما بعثرتُه حولي في حرم الباحة، قدر ما أستطيع، لم يملأ الباحةَ، الثور والخنفساء لم يُعبدا بعد نصفَ العبادة، القذارة والمزابل أكثر مدعاةً للإعجاب مما كنا حلمنا به، ولأنّ للخارق لا أهميةَ له، أنتظرُ زمني لأكون واحداً من الأخيار، وسيأتي اليوم الذي أقدّم فيه الخير أفضل من أي فضيلٍ، وأكون أكثر سخاءً. وحقّ حياتي، ها إني أصبحُ الخالقَ، أضعُ نفسي، هنا والآن، في الرّحم المخطوف للظلال.
Song of Myself, Section 41 —poem read by Nadia Fayidh
خاتمة
لكن أ هذا كل شيء؟ سؤال ويتمان في هذا المقطع يطلق استعراضا للوحي الالهي التي حسب ما يراه لا يستطيع ان يجيب كل سؤال عن الكون، هذا اذا لم نذكر الاسئلة التي تقودنا الى الليالي المظلمة للروح. فيقول، "في البداية اجيء". الذي سوف يأتي اليه هم الإطفاءين و السواق و زوجة الميكانيكي التي ترضع طفلها. فهو وعاء الذي سينطلق منه الوحي—في "حلقة الدخان\ او شعرة على ظاهر يدي" في الثور و الخنفساء. و من اجلنا يضع نفسه في "الرحم المسترق للظلال" و الذي يستمر في انجاب رؤيا اكبر للكون—و هي الرؤية التي يدعونا لنجعلها تخصنا.
يرتفع على الجبال فوق النهر الاصفر كوكب الزهرة و القمر الجديد، ثم يصبح النهر اخضرا في اقليم تشينغهاي في الصين الغربية عبر معبد بوذي و الذي وصلت اليه مترددا. على احد اطراف المجمع هناك عجلة صلاة ذهبية، بارتفاع ستة طوابق، تدور في توربين يحركه النهر، و في الطرف الاخر جلس الشعراء من كل مكان في العالم من اجل مشاهدة العروض بالصيني و الاسباني. ليس هناك من سبب و لا حتى نعرف متى سيبدأ العالم باللمعان في مخيلتنا، لكن هذه هي احد اللحظات المنشودة: اعتقد بأن الشاعر عزرا باوند كان ليقدر هذا المذاق الدولي لهذا التجمع. فهو يصف نفسه "بأنه والت ويتمان لكن قد تعلم ان ارتداء الياقة و ارتداء القميص (بالرغم من كونه كارها لكلاهما)" ومع كل حماقته، التي كانت كبيرة، الا انه ترك وراءه مجموعة من القصائد التي اغنت حياتي بدءا من ترجماته لقصائد لي بو وهو من شعراء سلالة تانغ و التي لا تزال ابيات شعره تسكن عقلي، سوية مع مقدمة عزرا باوند عنه: "ومات لي بو مخمورا\ فقد حاول احتضان القمر\ في النهر الاصفر". انا اتشرب هذه الطبيعة—النهر، تجمعات الصخور، و السماء—وايضا اتشرب اعمال لي بو و باوند و ويتمان ، مؤمنا بأن الشعراء الذين ينتظرون وراء هذا المسرح سوف يكشفون الحقيقة: "ان كل ذرة تنتمي الي تنتمي اليكم".
—CM
سؤال
كان روبرت اينغرسول، من الكتاب الامريكيين الذين يكتبون عن الدين في اواخر القرن التاسع عشر، لطالما اعجب بويتمان بسبب رفضه لقبول أي عقيدة دينية. فيقول عن ويتمان "ويتمان يبقي بيته مفتوحا. فهو من الناحية الفكرية يتقبل أي افكار. و هو يمد يده لأي افكار جديدة. فهو لا يقبل العقيدة بسبب كونها قديمة و كبيرة العمر. هو يعرف بأن النفاق ليس لها مظهر جميل و انها تعتمد على المظاهر و الاقنعة—على الغباء—و الخوف". لكن في سنواته الاخيرة اصبح لديه لحية بيضاء و مظهرا ضعيفا و العديد من اتباعه اعتقدوا انه ربما هناك دين جديد يدعى "الويتمانية" سوف يتطور من كتاباته و يستخدم اوراق العشب كتابا مقدسا له. ما هو المميز في احتضان ورفض ويتمان لجميع الاديان الذي يجعل بحثه الروحي مختلفا عن الاديان المنظمة؟ هل تعتقد ان ويتمان شاعرا "دينيا"؟ شاعرا "روحيا"؟
—CM