A black and white photo of Walt Whitman sitting with his arm folded in his lap and staring into the camera
Whitman photographed by Matthew Brady around 1865. That mocking gaze.

توطئة

مقدمة المقطع العاشر

بعد ان اخذنا المقطع الثامن في رحلة غير مترابطة في حياة المدينة--حيث صور لنا الحافلات الكبيرة و العربات الثلجية و عربات الاسعاف و عربات الحمل--و المقطع التاسع اخذنا في رحلة هادئة على عربة القش في الريف، فأن المقطع العاشر يأخذنا في سلسلة من الرحلات الخيالية الى الغرب البري و البحر و في النهاية يتوقف عند القطارات التحتية التي كانت الوسيلة التي تمكن من خلالها العبيد الهاربين على ضمان حريتهم. الانا التي تغنى بها الشاعر منذ بداية القصيدة اخذت الان تتحرك بعيدا عن الخبرات الفعلية التي عاشها والت ويتمان، حيث انه عندما كتب قصيدة "اغنية نفسي" لم يكن قد ذهب للصيد في "البراري و الجبال"، ولم يكن قد عاش على ظهر "سفينة اليانكي" او رأى "زواج بهلوان...في الغرب البعيد" من امرأة من الهنود الحمر، ولم يخبئ في بيته عبدا هاربا. لكن اراد ويتمان من الانا الشعرية لان تستشعر بحجم وسعة القارة فلذلك اخذ يستخدم قصصا سمعها ورسومات كان قد شاهدها سابقا (مثلا لوحة الفرد جاكوب ميلر "زوجة البهلوان") و ذلك لإغناء خزين خبراته الحياتية. والتوسع في الخيال لا يقل واقعية في المخيلة من الخبرات الفعلية حقا: فالتخيل هو في الحقيقة احد الطرق للسماح لأنفسنا بالانطلاق بعيدا عن القوانين و السلوكيات المفروضة و يمنحنا ويتمان هنا الوسيلة لننضم اليه في توسيع مجال خبراتنا و اغناء مفاهيمنا العقائدية. عندما يصف لنا ما يشاهده من المركب المبحرة (السفينة) في الضباب المتقدم مع الرياح ، يقول ويتمان "عيناي تعينان الارض" و بمعنى اخر تحتلان القارة من المدينة الى الريف من الشرق الى الغرب من الجنوب من اجل وضع البلاد ضمن نظام ديمقراطي من خلال توسيع حدودها.

وهكذا يبتدأ ويتمان هذا المقطع بتسجيل الحدود الاجتماعية و الثقافية المتداخلة في الولايات المتحدة. الباحثون الاجتماعيون مثل الفرنسي الكيسز دي توكفيل يكتب في منتصف القرن الثامن عشر بأنه هناك "ثلاثة اعراق في امريكا"--البيض و الحمر و السود--ولدى كل فئة منها ثقافتها الخاصة التي ابقتها منفصلة عن بعضها. لكن ما يقدمه ويتمان هنا هو مشهدين للاختلاط العرقي حيث يتزوج البهلوان الابيض من المرأة الهندية و بعدها ترحب الانا الشعرية بعبد هارب في بيته و يقدم له الملابس و ينظفه و "اجلسته الى جانبي على المائدة" مبقيا سلاحه الى جانبه لحماية العبد من ملاحقيه. اللهجة الحميمية في كلا المشهدين تؤكد على الطبيعة الجسدية لهذا التلاحم و التلامس مختلط الاعراق الذي يتجاوز المجاملات المعتادة لاحترام الاعراق المختلفة. نستطيع ان نشعر بهذه المشاهد و خاصيتها في العمل على تخطي الحدود الاجتماعية حيث يستمر ويتمان بالتأكيد على الحاجة الى استيعاب التنوع العرقي و التغلب على التعصب العنصر التي يمكن ان نكون قد علمناها من اجل الاعتراف بالهويات التي نشترك بها جميعنا: "كل ذرة في تنتمي اليكم". وكما هو الحال مع الابواب المفتوحة للحظيرة من اجل قبول حصاد الخريف لأوراق العشب، الان "نصف الباب المفتوح في المطبخ" للراوي تنفتح لتكشف ن داخل المطبخ تجاه العبد الهارب حيث يكتشف الرجلان لحصاد الغني للتحيز و التعصب الغالب وحتى عندما يكون السلاح في الزاوية يخدم كمذكر على ان مثل هذه الروابط العرقية دائما تحفها الخطورة.

—EF

الى القنص وحيداً
بعيداً
في البراري والجبال
دهِشاً لخفتي ومرحي.
وفي أوائل المساء ، أبحث عن مأمنِ ليليّ
مشعلاً ناراً ، مشتوياً ماقنصت
ثم نائماً على الأوراق الملمومة
مع كلبي
وبند قيتي من يدي بمكان.

السفينة اليانكي منفوخة الأشرعة
تقطع البرق ، وماتسفوه الريح
عيناي تعيّنان الأرض ، إني أميل اليها
أصيح مبتهجاً من سطح السفينة.
البحارة ، وصائدو السمك القشري ينهضون مبكرين
وينتظرونني
وأنا أدخل نهايتي سروالي في جزمتي
وأمضي معهم ...
وأقضي وقتاً جميلاً.
آهٍ لو كنت معنا ، ذلك اليوم
حول البرّاد الذي يغلي.

شهدت زواج البهلوان في الهواء الطلق
في الغرب البعيد
كانت العروس فتاة حمراء الشعر.
وكان أبوها وأصدقاؤه يجلسون
واضعين ساقاً على ساق
مدخّنين بصمت.
كانوا يحتذون أخفافاً
ومن أكتافهم تتدلى بطانيات عريضة ثقيلة
وعلى ضفة نهر تمدد البهلوان:
كان أكثر ملابسه جلداً
وكانت لحيته الفخمة وجدائله تقي عنقه
كان يمسك عروسه بيده .
كانت طويلة الأهداب ، عارية الرأس
وكان شعرها البسيط ينحدر على أطرافها
حتى يبلغ قدميها.

جاء العبد الآبق الى منزلي ، وتوقف خارجه
وسمعت حركاته تُطقطق الأغصان في كومة الحطب
وخلل باب المطبخ الموارب ، رأيته نحيفاً ضعيفاً
ذهبت الى حيث كان يجلس على خشبة
وأذخلته المنزل
وطمأنْته
وجئت بماء ، وملأت الحوض لجسده العرقان
وقدميه المسلو ختين
وأعطيته حجرةً متصلة بحجرتي
وثياباً خشنة نظيفة
إنني أتذكّر جيداً عينيه الدوّارتين وارتباكه
وأتذكّر أنني وضعت ضمادات على رقبته وركبته.
بقي معي اسبوعاً ، قبل أن يستردَّ ، ويُنقل شمالاً.
ولقد أجلسته الى جانبي على المائدة
وبندقيّتي مسندة الى الزاوية.
وحدي، بعيداً في البراري والجبال، أخرجُ للصيد،
أهيمُ على وجهي، دهِشاً لخفّتي وفتوتي،
وفي آخر المساء، أختارُ بقعةً آمنةً، أُمضي فيها الليلَ،
أُشعلُ النارَ وأشوي الطريدةَ المقتولة حديثاً،
ثمّ أخلدُ للنوم فوق الأوراق المكوّمة،
كلبي وبندقيتي إلى جانبي.

تلك سفينة اليانكي، تحت أشرعتها السماوية،
إنها تقطعُ التلألؤَ والهبوبَ،
عيناي تهدّئان ارتجاج اليابسة، أنحني على المقدمة،
أو أصرخ فرحاً على ظهر السفينة.
البحّارة، والباحثون عن الأصداف، استيقظوا باكراً،
وتوقفوا من أجلي،
أخفيتُ نهايات بنطلوني داخل حذائي،
وذهبتُ، وأمضيتُ وقتاً طيباً.
كان يجب أن تكون معنا في ذلك اليوم
حول مرجل حساء السمك.
شاهدتُ زواجَ الشرّاك في الهواء الطلق، أقصى الغرب،
كانت العروسُ فتاةً من الهنود الحمر،
جلس أبوها مع أصدقائه،
وهم جلسوا متلاصقين، متصالبي الأرجل،
يدخّنون بصمت، تغطي أقدامهم أحذيةٌ من الجلد الناعم،
فيما قماش سميك يتدلّى على أكتافهم.
على الضفّة جلس الشرّاكُ،
لم يكن يرتدي ثياباً سوى الجلود تقريباً،
لحيتُه الكثّةُ وخصلاتُ شعره تحمي رقبتَه،
كان يمسكُ بيدِ عروسه،
رموشُها طويلة، ورأسها سافرة،
خصلاتُ شعرها الخشنة والسابحة
تنسدلُ فوق عضلاتها الشهوانية، وتصلُ حتى كعبها.
العبدُ الهاربُ أتى إلى بيتي وانتظرَ في الخارج،
سمعتُ جلبةَ قدميه وهي تدهسُ أعوادَ كومة الحطب،
ومن شقّ باب المطبخ نصف المفتوح رأيتهُ هزيلاً ومتعباً،
خرجتُ إليه، إلى حيث كان يجلسُ على الحطب،
ورافقته إلى الداخل، وهدأتُ من روعه،
أحضرتُ ماءً وملأتُ المغطسَ لجسده المتعرّق
وقدميه المبرّحتين،
وأفردتُ له غرفةً بجوار غرفتي،
وأعطيته بعض الثياب النظيفة،
أتذكّر جيداً عينيه الزائغتين وتململه،
وأتذكّر كيف وضعتُ الضمادات
على جروح رقبته وكاحليه،
ومكث معي أسبوعاً كاملاً قبل أن يتعافى ويتوجّه شمالاً،
جعلته يجلسُ بقربي على الطاولة،
فيما مفتاح ناري مرميٌ في الزاوية.

Song of Myself, Section 10 —poem read by Nadia Fayidh

خاتمة

التعليق الختامي يتقدم مبدأ الاختراع في هذا المقطع ، حيث يقدم الشاعر سلسلة من القصص الخيالية من اجل ان يقول الحقيقة الصعبة--بأن هذا الاحتفال بالانا يتضمن الجميع بغض النظر عن العرق و الهوية و المكانة في المجتمع. قال الروائي رون كارلسون بأنه دائما يكتب من خبراته الشخصية، سواء فعلا عاشها ام لا و هذه الطريقة في خلق الخيال تقود ويتمان في تخيله لحفلة الصيد و الرحلة البحرية و عملية الحفر الهادئة و زواج البهلوان من الفتاة الهندية و ذلك المشهد المؤثر مع العبد الهارب. هذه القصص القصيرة لا تقل تأثيرا عن ما تقدمه حواسه لأنه اختار ان يؤكد على تفاصيل من واقع الحياة اليومية-- "تقطع البرق وما تسفوه الرياح "بالنسبة لسفينة اليانكي وهي تبحر، نهاية السروال داخل جزمته، و الخصل النظيفة للفتاة الهندية و "الثياب الخشنة النظيفة" للعبد العارب. كلما كان الاختراع مبهرا فبالتأكيد قد استند على تفاصيل طبيعية من السهل تصديقها. ايميلي ديكنسون قالت في احد قصائدها "اقل كل الحقيقة لكن قلها منحرفة". يكمن النجاح في الدوائر التي تعيد نفسها. ان الاختراع الشعري هو شكل دائري لقول الحقيقة يوظفه والت ويتمان في لحظات حرجة من القصيدة ،غالبا ما يكون ذلك من اجل توسيع النفس الديمقراطية لتشمل البعد السياسي. ويمكن للشاعر ان يتحدث بصراحة اكثر من وراء القناع. ( ليس بالصدفة انه من بين الشخصيات الدرامية التي اختلقها الشاعر البرتغالي فيرناندو بيسو كان هناك شخصية شبه والت ويتمان تدعى البرتو كيارو يعمل كراعي "صوفيا فقط في جسده"، و الذي تغنى بالطبيعة بمليء صوته مثل الشاعر الامريكي) . في القصائد و الصور الشعرية للشخصيات الحقيقة و التخيلية نكتشف ما سمته ديكنسون "مفاجئة الحقيقة المذهلة". لكن يحدق بنا الخطر عندما يقوم الشاعر بالاكتشاف او الاختراع. من غير المستغرب ان يبقي ويتمان بندقيته قربه فدائما هناك شخصا قريبا من الباب ربما يريد الدخول.

—CM

سؤال

يعطينا والت ويتمان في هذا المقطع عدة ابيات عن بحثه عن السمك القشري ثم يتشارك به مع مجموعة من الرجال. ما هو تأثير اثارة القارئ من قبل الشاعر في نهاية هذا المشهد القصير حينما يقول "اه لو كنت معنا ، ذلك اليوم \ حول البراد الذي يغلي"؟